الشباب الذين يواجهون بصدورهم العارية رصاص "الحرس الثوري" لا يملكون خيارا آخر، والثورة على الظلم هي كل ما بقي لهم
الانتفاضات ضد المشروع الطائفي وسلطة الولي الفقيه، في لبنان والعراق وإيران، إنما تمثل فرصة لم تجتمع مثلها من قبل، ويجب ألا تضيع. ثمة ما يبرر القناعة بأن الواقع يملي نفسه. إلا أن الحرص على شعلة الحرية يظل ضروريا. إنه شيء يشبه التشبث بأمل تمسكه اليد، ومستقبل نراه بأم العين.
الطغاة والفاسدون سوف يسقطون بما راكموا من فشل. ولكن بحكم ثقافة الدجل التي ينتهجون، فإن أي فرصة تتاح لهم، فإنهم سوف يستثمرونها لممارسة الدجل من جديد.
هذه الفرصة يجب ألا تضيع. إن زخمها الجارف هو أفضل ما فيها. ولو تمكنت أي واحدة من هذه الحركات الشعبية الثلاث في لبنان والعراق وإيران أن تنجز مهمتها، فإن الأخريين ستكونان على الطريق.
الشباب الذين يواجهون بصدورهم العارية رصاص "الحرس الثوري" لا يملكون خيارا آخر، والثورة على الظلم هي كل ما بقي لهم، وهم لا يخسرون فيها إلا القهر والفقر والبطالة.
الفشل الاقتصادي لم يعد فيه متسع للأحابيل. يقف لبنان على شفير هاوية اقتصادية تبدو سحيقة. ولكنها سحيقة فقط لأن أتباع الولي الفقيه ينهبون المال العام، بالاستيلاء على موارد الدولة وضرائبها بمعايرهم الخاصة، ولا يهمهم بالتالي أن ينسحق الجميع. هذا هو رهان حزب الله. ولكن هذا لن يدوم. سوف ينكشف عنه غطاء الفساد الذي يوفره النظام الطائفي. وعندما تنهار دولة هذا النظام، وتنهار معها اقتصاديات الفساد، فإن لبنان يمتلك بدل الفرصة عشرة للنهوض. فهناك موارد الخارج، كما أن هناك موارد السياحة، ولكن أهم من هذا وذاك، فهناك موارد الغاز أيضا، التي إذا ما تم توظيفها على أسس وطنية، لا طائفية، فإنها سوف تعم بخيرها على كل اللبنانيين.
وما يمكن للقصد أن يذهب إليه هو أن انهيار دولة الفساد، بكل ما يعنيه من مصاعب آنية، هو السبيل الوحيد لإنقاذ المستقبل.
الأمر نفسه يحدث في العراق. فالجماعات الطائفية حتى ولو رضيت بتقديم جزء من "الكعكة" لاسترضاء الفقراء والمضطهدين، فإن نظامها بلغ من الاهتراء والتفسخ إلى درجة أنه لم يعد من الممكن لأي إصلاح تحت عمائمه أن يسفر عن تغيير حقيقي.
هذا الوضع، إنما يضع العراقيين أمام منعطف تاريخ. ولو أنهم تمكنوا من قطع كل موارد التمويل التي يرتع بها الفاسدون، بما في ذلك موارد النفط، وأوقفوا كل عمليات التصدير، فإن دولة الفساد سوف تنهار، ويهرب تجار العمالة بما خف حمله. وفي المقابل، فإن التغيير سوف يفتح الطريق لبناء دولة جديدة تمتلك من الموارد المادية والإمكانيات البشرية ما يكفي لبناء بلد حر وقوي ومزدهر.
وإيران ليست بلدا فقيرا لكي يعاني 60 مليون إنسان، من أصل 81، من الفقر والجوع. والعقوبات الاقتصادية ليست هي المشكلة على الإطلاق. لقد ظل الإيرانيون يعانون فقرا من دون عقوبات.
وكل ما فعلته هذه العقوبات هو أنها كشفت حجم الضياع المهول في الموارد التي جنتها إيران على امتداد أربعة عقود.
وبمعدل 100 مليار دولار سنويا من مواد النفط وحدها، فإن ذلك يعني ضياع أربع تريليونات دولار في بلد يبدو الآن محطما إلى حد بعيد. بنيته التحتية تنهار، وخدماته الأساسية تتراجع، وكل جوانب الحياة الاقتصادية فيه تتداعى على تضخم صاروخي، وعلى يد نظام يعتقد أنه يستطيع أن ينجو بإنتاج الصواريخ.
حالة من الهراء السياسي والانحطاط الفكري هي ما تجعل نظام الولي الفقيه نظاما مليشياويا، لا دولة. هذه الحالة هي التي تمول الصواريخ وممارسة أعمال العدوان والتدخلات الخارجية، بينما يتضور الإيرانيون جوعا.
لو كانت هناك ثقافة دولة، ما كان ذلك ليحصل، على الإطلاق. وبحكم طبيعته كنظام باسيج وبازداران وعمائم، فقد كان من الطبيعي أيضا أن يكون نظاما فسادا.
وهو فساد مؤدلج. أي أنه يبرر لنفسه كل شيء. وطالما بقيت العمامةُ غطاءً للجهل الذي يمور تحتها، فإنها تشارك في الغنيمة حينا، وترضى بالإياب حينا آخر، في تسوية فساد سياسي وديني لا أعرف كيف تتم تسويتها مع الله. والضحايا كثر إلى درجة أنهم لا تعمى عنهم العيون. إلا من أقفل الله على أبصارهم وقلوبهم، وظلوا في غيهم سادرين.
ولكن إيران تملك أن تنجو. تملك الكثير جدا. أنظر إلى الأفق المفتوح، ولسوف ترى أن كل واحد ممن يجوعون اليوم ويخسرون كل شيء، يملكون من أرضهم ما يغنيهم عن نزعة العدوان وعن طائفية قرون بائدة، وما يجعل بلدهم ثريا وذا إمكانيات لا حدود لها.
هذه الفرصة يجب ألا تضيع. إن زخمها الجارف هو أفضل ما فيها. ولو تمكنت أي واحدة من هذه الحركات الشعبية الثلاث في لبنان والعراق وإيران أن تنجز مهمتها، فإن الأخريين ستكونان على الطريق.
الاهتراء نفسه بلغ حدا لا عودة عنه. وهو بحد ذاته يستنهض هذه الحركات، لتقوم على عزيمة لا خوف فيها، ولا من يُرهبون، فتكنس العفن الطائفي كله.
ساعاتها، سوف ينبلجُ فجرٌ لا فجر إلا هو.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة