هل لا يزال هناك مَن لديه شك أنه حين يوقّع الإرهابيون اتفاقاً، فذلك لأنهم رابحون فيه؟
ويجب ألا ننسى أن الإرهابيين في منطقة الساحل هم في الأصل قُطّاع طرق يجيدون التحايل ولا يغفلون عن ظروف المنطقة.. يعرفون متى يضغطون من أجل خلق وضع يقرر فيه الطرف المقابل التفاوض معهم، وهو ما يستفيد منه الإرهابيون دائماً.
مثالا على ذلك، الاتفاق الذي تم توقيعه في 14 مارس/آذار الماضي، حيث احتفل الماليون بتوصّل "صيادي الدوزو" إلى اتفاق في وسط البلاد مع إرهابيي تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل، ممثلين في "كتيبة ماسينا"، بمقاطعة نيونو.
والتقت المجموعتان بعد توسّط ثمانية مبعوثين من المجلس الإسلامي الأعلى في مالي.
إذ كان الصيادون في حاجة إلى حلّ مؤقت على الأقل، لذا وافقوا على بنود الاتفاق، لأنهم كانوا يتعرضون لضغوط شديدة من الإرهابيين على مدى ستة أشهر.
وأتاحت الاتفاقية للسكان إمكانية الذهاب لزراعة حقولهم أو بيع ماشيتهم، وتضمّنت أيضاً تسليم سجناء من الجانبين، حيث كان لدى الإرهابيين عشرات الأسرى من الدوزو.
ومن بين التنازلات الأخرى، التي قدّمها صيادو الدوزو، سماحهم للإرهابيين بالدخول إلى قراهم لنشر أفكارهم!
كان يُفترض أن يدوم الاتفاق لشهر واحد، دون أن يشمل بلدة فارابوغو، التي كانت محاصرة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتطلّبت الصفقة انسحاب الجيش من هناك إذا لم يتم خرق وقف إطلاق النار من الجانبين.
وبعد شهر من الاتفاق، أي في منتصف أبريل/نيسان، اتفقت كتيبة "ماسينا" وصيادو الدوزو على مجموعة من التفاهمات في منطقة نيونو، باستثناء بلدة دجيني، التي تبعد 200 كيلومتر فقط عن المنطقة، والتي خلفت الاشتباكات بها عشرات القتلى.
وفي 3 يوليو/تموز الماضي، تم إنهاء الاتفاق مع الإرهابيين، ثم عادت الاشتباكات بين كتيبة "ماسينا" والدوزو في سيغو، ما تسبب في نزوح السكان.
وتم خرق الاتفاقية من قبل الإرهابيين وقُتل ما بين ثلاثة إلى ستة صيادين دوزو وأصيب عدد آخر على يد عناصر "ماسينا" الإرهابية، بالقرب من نيونو، تحديدا في "دوجوفري".
ويجب ألا ننسى هنا أنه في منطقة الساحل عندما يتم إبرام اتفاقات مع الإرهابيين، فإن ذلك يتعلق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بصراع الوصول إلى الموارد الطبيعية، لا سيما الثروة الحيوانية والتعدين، حيث تحوّلت المناجم إلى مكان متكرر للمواجهات.
فقد وقعت هجمات كتيبة "ماسينا" الأخيرة في منطقة دوجوفري، التي تبعد 80 كيلومترا عن موريتانيا، ومنطقة "يوارو"، التي تبعد 130 كيلومترا عن موريتانيا، مما أسفر عن مقتل أكثر من خمسة عشر من صيادي الدوزو خلال شهر يوليو/تموز الماضي.
وفي بداية شهر آب/أغسطس، تعرّض صيادو الدوزو مجدداً لهجوم إرهابي في "سيلاما"، حيث قُتِل خمسة منهم، بالإضافة إلى بعض الجرحى.
وتقع "سيلاما" على بعد 70 كيلومتراً من الحدود مع موريتانيا، وهو ما يكشف نوايا زعيم "ماسينا"، أمادو كوفا، لإبقاء عناصره قرب الحدود المالية-الموريتانية على مسافة تتراوح بين 70 و140 كيلومتراً فقط.
يدرك الجميع اليوم أن هذا الاتفاق لمدة شهر كان مجرد خدعة من قبل زعيم "كتيبة ماسينا"، فقد كان من مصلحته أن يكسب الوقت، ومنذ بداية يوليو/تموز بدأ هجوم الكتيبة مرة أخرى في منطقة نيونو.
خلال هذه الفترة، احتاج "كوفا" إلى إبقاء طرق الهروب إلى موريتانيا مفتوحة من "فرابوغو" إلى "يوارو"، وهي بوابة خروج الإرهابيين، المتسلحين بسرقاتهم من مخازن الجيوش، إلى موريتانيا.
بمقارنة هذا الوضع مع ما يحدث في أماكن أخرى من العالم، تُعاد إلى الأذهان مداهمة مستودعات الأسلحة في ليبيا أواخر أيام حكم "القذافي"، والفوضى التي تسببت فيها هذه الأسلحة خلال أحداث ليبيا عام 2011، وهي الفوضى ذاتها التي ستُحدثها هذه السرقات العسكرية في أفريقيا عموما، كأن الفوضى يتم التحضير لها مسبقا عن طريق سرقة أسلحة من مستودعات الجيوش الرسمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة