لهذه الأسباب.. هل تصبح جيوش العالم أكثر اخضرارا؟
على الرغم من زيادة الإنفاق الدفاعي في العديد من الميزانيات الوطنية، فإن التكيف مع المناخ يحظى بنصيب متواضع من الميزانيات داخل المؤسسات العسكرية.
وذكر موقع "يورو نيوز جرين"، أنه مع تسارع أزمة المناخ، تواجه الجيوش في جميع أنحاء العالم تحديات مزدوجة، تشمل الحفاظ على مهمتها الأساسية المتمثلة في ضمان الأمن، مع التكيف مع البيئة المتغيرة.
وأصبح يتعين على القطاع العسكري أن يخوض حربًا على انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري، على حد تعبير دوج وير، مدير مرصد الصراع والبيئة غير الربحي (CEOBS).
وفي عام 2007، عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أول مناقشة له حول تغير المناخ، مما جعل الموضوع في طليعة مناقشات الأمن الدولي.
وتقول صوفيا كابيج، الباحثة في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية (IRIS)، ليورو نيوز جرين: "منذ ذلك الحين، كان هناك اهتمام متزايد بالكشف عن كيفية تأثير تغير المناخ على مهام وتفويضات الجيوش في مختلف البلدان".
ووفقًا لمنظمة CEOBS، لم يكن هناك سوى القليل من التدقيق في تأثير قطاع الدفاع على المناخ، وتقدر المنظمة غير الربحية أن القطاع مسؤول عن 5.5% من الانبعاثات العالمية سنويًا.
ولكن بدأت الجيوش الآن في مراجعة ممارساتها، ليس فقط لتحقيق أهداف المناخ ولكن أيضًا للحفاظ على تفوقها الاستراتيجي في المشهد الجيوسياسي المتطور.
ما الفائدة من جعل المؤسسة العسكرية صديقة للبيئة؟
إن الحفاظ على قدرات المؤسسات العسكرية على العمل في أي وقت وفي أي مكان، يظل يشكل أهمية مركزية بالنسبة للقطاع العسكري في غالبية البلدان، ولكن في نفس الوقت كان هناك تهميش متزايد بأن الاستعداد القتالي لن يتأثر بالمسؤولية البيئية.
ولقد تسببت العمليات الدفاعية والتدريبية السابقة في أضرار بيئية جسيمة، بما في ذلك التلوث البحري بعوامل الحرب الكيميائية والتلوث بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص، الذي يشكل مخاطر على كل من الأفراد والمدنيين.
وفي المستقبل، تستطيع المؤسسات العسكرية منع مثل هذا الضرر الطويل الأجل باستخدام تقنيات للحد من كمية المخاطر والنفايات، والاعتماد على المواد البديلة الأقل تلويثا.
ومن شأن تبسيط الممارسات المستدامة في مختلف الأنشطة العسكرية أن يجعل عمليات الدعم الإنساني أكثر مراعاة للبيئة، حيث يساعد الجنود غالبا المجتمعات المحلية أو يعملون كمستجيبين أوليين في الأزمات مثل الزلازل أو الفيضانات.
التغلب على انبعاثات الوقود الأحفوري
وذكر موقع "يورو نيوز جرين"، إن القطاع العسكري هو أحد أكبر مستهلكي الطاقة وأحد أكبر الملوثين في العالم، ويعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري.
ويؤكد سيمون بومان، الضابط في وحدة التعاون متعدد الجنسيات في حلف شمال الأطلسي، أن ستة في المائة من الميزانيات العسكرية للدول في المتوسط مخصصة للخدمات اللوجستية وإمدادات الوقود، وإن خفض الاعتماد على الوقود يمكن أن يقلل من الانبعاثات ويجلب فوائد استراتيجية ومالية.
ومن أجل تقليل استخدام الوقود، تتبنى دول مثل المملكة المتحدة أنظمة دفع كهربائية هجينة للشاحنات العسكرية والدوريات والمركبات المدرعة.
في حين تختبر المزيد من الجيوش إنتاج الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، فضلاً عن خلايا وقود الهيدروجين في المعسكرات العسكرية.
وبالنسبة للدفاع الجوي، حيث لا تتوفر مصادر الطاقة الأخرى حتى الآن على نطاق واسع، فإن التدابير الرامية إلى خفض الانبعاثات موجودة أيضًا، على مستوى مختلف.
ويقول شون هاريس، مدير الدعم والمهندس الرئيسي في سلاح الجو الملكي البريطاني، "نحن ننتقل إلى بيئات تدريب افتراضية أكثر اصطناعية للمحاكاة، لتقليل التكاليف والانبعاثات".
ويوضح رئيس الدفاع النرويجي، إريك كريستوفرسن، أن النرويج بدأت في استخدام أجهزة محاكاة الطيران، عبر غرف تشبه قمرة القيادة للطيارين.
وقال "مع طائراتنا من طراز F35، نستخدم أجهزة محاكاة جيدة للغاية بحيث يمكننا إجراء المزيد من التدريب في وقت أقل، نظرًا لأننا لسنا بحاجة إلى إجراء تحضيرات السلامة للطيران، فإننا لا نلحق الضرر بأسطولنا الحالي مما يتطلب صيانة أقل".
كيف تتعامل الجيوش مع حرارة الطقس؟
وتشكل درجات الحرارة العالمية المرتفعة تحديًا كبيرًا للاستعداد العسكري.
ويقول يورو نيوز جرين، أنه بحلول عام 2050، قد تواجه مناطق مثل الشرق الأوسط ارتفاعات في درجات الحرارة خلال النهار تصل إلى 50 درجة مئوية وانخفاضات في الليل تصل إلى 30 درجة مئوية لفترات طويلة.
ومع تزايد وتيرة الجفاف وحرائق الغابات، يتعين على الجيوش تكييف معداتها واستراتيجياتها للعمل بشكل فعال في بيئات غير متوقعة وخطرة.
ولحماية الأفراد والحفاظ على الأداء في مثل هذه الظروف القاسية، تطلق الجيوش استراتيجيات إدارة الحرارة، بما في ذلك انتاج زي عسكري عاكس للحرارة أو الزي المزود بأنظمة تبريد، وأنظمة الطاقة الذكية التي يمكن أن تجعل البنية التحتية مقاومة للمناخ.
ولا تعمل هذه الابتكارات على حماية الجنود فحسب، بل تعمل أيضًا على تحسين الكفاءة أثناء العمليات الإنسانية، مثل الإغاثة من الكوارث، والتي تزداد الحاجة إليها بشكل متزايد في المناطق التي اجتاحتها الحرارة.
هل يمكن تحويل المؤسسة العسكرية إلى مؤسسة خضراء؟
وذكر الموقع أن الدفاع برز كفائز واضح في الميزانيات الوطنية لهذا العام، حيث تعمل دول حلف شمال الأطلسي على تلبية هدف التحالف المتمثل في تخصيص 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي في مواجهة التوترات الجيوسياسية المتصاعدة.
وفي عام 2021، تبنى حلف شمال الأطلسي خطة عمل مناخية، بهدف طموح يتمثل في تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
ويوضح كابيج، "كان هذا بمثابة اعتراف بأن أكبر تحالف عسكري في العالم ينظر إلى تغير المناخ باعتباره قضية أمنية ويفهم أنه يجب عليه التصرف حيالها".
كما أن البلدان لديها مصلحة راسخة في تسريع الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء لتحقيق مزايا تشغيلية.
وعلى سبيل المثال، توفر تقنيات الطاقة الكهربائية الهجينة فوائد كبيرة للقطاع العسكري بسبب تشغيلها شبه الصامت، وخاصة أثناء الاقتراب النهائي من الأهداف.
وإن استخدام خلايا وقود الهيدروجين لتشغيل المركبات يزيل البصمة الحرارية، مما يجعلها غير مرئية تقريبًا لأنظمة الكشف الحراري.
ويقول كونستانتينوس هادجيسافاس، مدير المشروع في وكالة الدفاع الأوروبية (EDA)، "غالبًا ما تكون أعمار الأنظمة العسكرية من 20 إلى 30 عامًا، مما يعني أن تحقيق صافي الصفر بحلول عام 2050 يتطلب اتخاذ إجراءات فورية".
أيضا يرى الخبراء العسكريين أن الشفافية في الإبلاغ عن الانبعاثات العسكرية من شأنها أن تساعد في فهم الحجم الحقيقي لمساهمتها في الانبعاثات وكم من الميزانية الخضراء يجب تخصيصها للدفاع، على حساب القطاعات الأخرى.