وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة أول بذرة في مجال الصناعات الدفاعية المتطورة قبل 24 عاماً حينما أطلقت معرض آيدكس عام 1993 في دورته الأولى بمشاركة محلية بسيطة نسبياً، ولكن بعزيمة واثقة وإرادة راسخة تضاعفت، مع الزمن، أعداد الشركات الوطنية إلى عشرات المرات
وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة أول بذرة في مجال الصناعات الدفاعية المتطورة قبل 24 عاماً حينما أطلقت معرض آيدكس عام 1993 في دورته الأولى بمشاركة محلية بسيطة نسبياً، ولكن بعزيمة واثقة وإرادة راسخة تضاعفت، مع الزمن، أعداد الشركات الوطنية إلى عشرات المرات، في غضون عشرين سنة فقط، وأصبحت تتصدر الاهتمام بمنتجات وطنية بات يُشار إليها بالبنان، إلى أن وصلت الشركات الوطنية إلى 150 شركة تنافس كبريات الشركات العالمية في التكنولوجيا والمعدات المتطورة بواقع 20% تقريباً من مساحات المعرض.
وقد أصبح المعرض اليوم من المنصات العالمية التي تحرص كبرى الشركات العاملة في مجال الأنظمة الدفاعية، بكافة تخصصاتها ومعداتها، لحجز مساحة لها في إحدى قاعات العرض، الذي يشكل حدثاً جيوسياسياً مهماً يؤكد فيه الشركاء والحلفاء علاقاتهم مع الحكومات وصناع القرار، ويمكن من خلاله التعرف بشكل دقيق على الإنفاق الإقليمي على القدرات الدفاعية، والأفق المستقبلي لآخر الإنجازات والاختراعات في هذا المجال.
وقد وضعت الإمارات أمن وسلامة واستقرار المنطقة على رأس أولوياتها، ومن خلال ذلك ركزت على أهمية محاربة الإرهاب واجتثاثه من جذوره، ووضعت العديد من الاستراتيجيات، ومنها توفير منصة عالمية لكبريات الشركات العالمية المتخصصة في مختلف مجالات الدفاع. وتأتي أهمية الصناعات العسكرية ليس فقط كونها أحد مظاهر التقدم الصناعي والتقني، بل تعد أيضاً ركيزة حيوية للسيادة الوطنية من خلال توفير الاحتياجات المطلوبة للقوات المسلحة مع توفير هامش مناورة مناسب لاستقلالية القرار السياسي والتخطيط الاستراتيجي للدول، فضلاً عما يمكن أن تمثله من إضافة نوعية للاقتصاد من خلال توسيع قاعدة التصدير وبناء شبكات التعاون مع الدول الأخرى. وغني عن التوضيح أيضاً أن جانبي القوة المرنة والخشنة معاً ضروريان لاستقرار وتنمية الدول في عالم اليوم المليء بالأزمات والتحديات. وقد أصبحت الإمارات اليوم مركزاً مهماً لتوريد الأنظمة العسكرية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، بفضل جودة منتجها وتنافسية أسعارها، وما تقدمه الشركات الوطنية من خدمات فيما بعد البيع أيضاً.
ويعد هذا القطاع مكملاً لمنظومة التقدم والتطور في الكثير من مجالات التصنيع المدني بمختلف المجالات، إذ أصبحت الإمارات قاعدة صناعية لسلع استراتيجية عدة منها الألمنيوم وصناعات البناء والتشييد والبتروكيماويات والصناعات التقنية بالغة الدقة وغير ذلك، وبالتالي فإن الاهتمام بقطاع التصنيع العسكري إنما يندرج ضمن منظومة متكاملة للتطوير الصناعي والتقني في الدولة.
كما أن الإمارات تمتلك أيضاً شبكة علاقات تعاونية متميزة مع الدول الرائدة في مجال التصنيع العسكري وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وروسيا، فضلاً عن علاقات التعاون القوية التي تربطها بدول أخرى متفوقة تكنولوجياً وتمتلك أيضاً رصيداً جيداً في مجال التصنيع العسكري مثل كوريا الجنوبية والهند وغيرهما.
وبالتالي فإن فرص بناء شراكات قوية مع هذه الدول قائمة مما يعزز تحقيق التنافسية العالمية لقطاع الصناعات الدفاعية والأنظمة التكنولوجية في الإمارات، ويوفر له آفاق وفرص النجاح، ولاسيما أن الدولة تتبنى سياسات قائمة على تشجيع الاستثمارات في هذا المجال الحيوي، كما توفر أيضاً غطاء دعم قوياً للصناعات العسكرية الناشئة بالدولة من خلال منحها أولوية تزويد القوات المسلحة الإماراتية باحتياجاتها من المعدات العسكرية التي يتم تصنيعها في مشروعات داخل الإمارات. ووجود آلاف الشركات الدفاعية على أرض الإمارات كل سنتين خلال فعاليات معرض «آيدكس» يمثل أفضل فرصة للاحتكاك بالخبرات والتطورات التقنية العالمية في هذا المجال، كما يعد أيضاً فرصة مثالية للشركات العالمية للتعرف على إمكانيات وقدرات الإمارات مما يولد فرصاً هائلة لإقامة شراكات التعاون. كما أن التقدم والتطور في قطاع الصناعات المدنية بدولة الإمارات في مجالات كثيرة سينعكس أيضاً بالتبعية على الصناعات العسكرية القائمة في الدولة، ويجعل تطورها ونموها أمراً بديهياً في ظل بيئة العمل المحلية.
وبالرغم من أن الصناعات العسكرية في أي دولة من دول العالم تصب مباشرة في سلة دعم قدراتها التسليحية والقتالية والعملياتية فإن هذا الدعم النوعي لا يعني بالضرورة ميل هذه الدولة إلى تبني سياسات عدوانية تجاه الآخرين، ولا يعني أيضاً «عسكرة السياسة» سواء من خلال فكرة الاعتداد بالقوة العسكرية المتوافرة لدى الدولة أو بروز نفوذ مجمعات التصنيع العسكري هائلة الاستثمار في صناعة القرار السياسي وتوجيهه لخدمة مصالح هذه الصناعات، فهناك العديد من الدول التي تمتلك قاعدة تصنيع عسكري قوية وتتمسك بسياساتها السلمية وتحرص على دعم الأمن والاستقرار العالمي.
ومن البديهي القول، إن الإنجازات التنموية المحققة تحتاج إلى داعم رديف من الصناعات العسكرية، وأيضاً بالدرجة ذاتها من الأهمية إلى غطاء قوي يردع الآخرين عن أي تفكير في النيل من التجربة التنموية المتميزة في الإمارات أو السعي للتأثير فيها سلباً بأي طريقة.
نقلا عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة