رغم إعلان جمهورية الكونغو الديمقراطية قبل أيام تشكيلة حكومية جديدة، أملت من خلالها أن تساهم بتخفيف ندوب الشرق المضطرب، إلا أن استمرار القتال نكأ الجراح.
وضع طرح تساؤلات حول أسباب تجدد فيه القتال بهذه المنطقة المضطربة، وخاصة وأن جيش الكونغو يحاول استعادة الأراضي التي استولى عليها متمردو حركة إم23 (حركة 23 مارس).
إلا أن ثروات البلد الأفريقي كانت أبرز المتهمين في ذلك الصراع المستمر منذ عقود، إضافة إلى شركات التكنولوجيا العالمية والتي تلعب دورًا مباشرًا في تغذية العنف.
وبحسب صحيفة «الدولي الجديد»، فإن الدماء تلطخ سلسلة توريد المعادن الحيوية المستخدمة في بطاريات السيارات والهواتف الذكية.
تهديد لم ينته
ورغم أن حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية أكدت الشهر الماضي، أنها «أحبطت انقلاباً» بعد مقتل مهاجمين بقيادة كريستيان مالانغا، وهو سياسي وضابط عسكري سابق مقيم في الولايات المتحدة، في العاصمة كينشاسا، إلا أن التهديد لم ينته بعد.
وتقول صحيفة «الدولي الجديد» الآسيوية، إنه بالنسبة للمواطنين الأمريكيين الثلاثة المرتبطين بمحاولة التمرد، فإنهم كانوا مجرد نقطة صغيرة على الجدول الزمني للتواطؤ الغربي في أزمات البلد المنكوب منذ فترة طويلة.
ووفقاً لحكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن أكثر من 250 جماعة مسلحة محلية و14 جماعة مسلحة أجنبية تقاتل من أجل الأراضي في المقاطعات الخمس الواقعة أقصى شرق البلاد.
ولا تزال غوما، عاصمة مقاطعة شمال كيفو، تحت الحصار. وتشمل المليشيات التي تسيطر على المدينة حركة إم 23 سيئة السمعة، التي تمولها الحكومة الرواندية، بحسب جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو اتهام تنفيه الأخيرة رغم وجود أدلة تثبت عكس ذلك.
لكن ما دور شركات التكنولوجيا في تأجيج العنف؟
وتزايدت عمليات السطو وإطلاق النار والابتزاز والاغتصاب في الأشهر الأخيرة، إلا أن ما يغيب إلى حد كبير عن الحديث حول كيفية إنهاء الصراع المستمر منذ عقود هو الدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا العالمية في تغذية المنافسة العنيفة بشكل مباشر.
وبحسب صحيفة «الدولي الجديد»، فإنه في أبريل/نيسان الماضي، هدد المحامون العاملون لدى حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية شركة أبل باتخاذ إجراءات قانونية بسبب مزاعم بأنها تشتري معادن «مستغلة بشكل غير قانوني» - يُزعم أنها مهربة من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى رواندا، حيث يتم إخفاء أصلها قبل أن تنتقل إلى سلسلة التوريد العالمية.
وقال أحد المحامين الذين يمثلون حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية لشبكة «سي بي إس» الأمريكية: «علينا أن نتحدى ما يعتبر في الواقع كذبة عالمية كبيرة - وهي أن دولة مثل رواندا، وهي فقيرة بالمعادن، يمكن أن تكون مسؤولة بطريقة أو بأخرى عن تصدير هذه الكميات الهائلة».
وبحسب «الدولي الجديد»، فإنه إذا تبين أن شركة «أبل» تكذب على المجتمع العالمي بشأن أصل هذه المعادن الحيوية - التي تشغل كل شيء بدءًا من بطاريات الهواتف الذكية وحتى السيارات الكهربائية - فسوف تتخلى عن ادعاءاتها الأخلاقية لشراء معادن الصراع الملوثة بـ«الدم» للشعب الكونغولي.
وفي مايو/أيار الماضي، ادعى المحامون أن لديهم أدلة جديدة من المبلغين عن المخالفات لتوضيح كيف أن عمالقة التكنولوجيا، في إطار سعيهم للسيطرة على المعادن الأفريقية مثل الكوبالت، يحصلون عليها من مناجم تقع في مناطق الصراع، حيث تقاتل الجماعات المتمردة، الجيش الكونغولي من أجل السيطرة الاستراتيجية.
وتقول الصحيفة الآسيوية، إن المشكلة ليست في أن هذه الصراعات تغذي عدم الاستقرار السياسي، فحسب، بل إن هذه المناجم تغذي العنف والاتجار بالبشر وتغير المناخ الذي يهدد أكثر من 70% من موارد جمهورية الكونغو الديمقراطية.
حماية غربية
وبدلاً من توفير تدخلات ذات معنى لوقف هذه الانتهاكات واسعة النطاق، تعمل المحاكم الغربية بدلاً من ذلك على حماية عمالقة التكنولوجيا من الملاحقة القضائية.
وفي عام 2019، أبطلت محكمة الاستئناف الفيدرالية الأمريكية قضية رفعها المدافعون عن الحقوق الدولية ضد شركات أبل وجوجل ومايكروسوفت وديل وتسلا لتجاهل قوانين عمل الأطفال أثناء استخراج الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقال القاضي في حكمه إنه لا توجد أدلة كافية لمحاسبة عمالقة التكنولوجيا. ومن بين عمال المناجم البالغ عددهم 255 ألفاً في جمهورية الكونغو الديمقراطية، هناك 40 ألفاً من الأطفال، بعضهم لا يتجاوز عمره ستة أعوام، ويعملون في ظروف مروعة.
وبحسب «الدولي الجديد»، فإن الكوبالت بمجرد استخراجه، يعود إلى الظهور من جديد في الأسواق السوداء المزدهرة في رواندا، مع خطوط الإمداد التي تشرف عليها حركة 23 مارس/آذار، التي بدأت في الاستيلاء على مدن تعدين المعادن بأكملها وتركت مقابر جماعية في أعقابها.
ومما يضاعف ذلك أن استخراج الكوبالت يطلق مواد كيميائية قاتلة – تضر بالحياة البرية، وتلوث الممرات المائية، والمحاصيل.
وبفضل «العمل القسري، والصراع، واستخراج الثروات على نطاق واسع، والتدهور البيئي، يعمل التعدين التكنولوجي على إثراء الشركات على حساب عدد لا يحصى من الأفارقة»، بحسب «الدولي الجديد»، التي قالت إنه بينما يلتهم وادي السيليكون بالأرباح، لا يزال 75% من سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية يعيشون على دولارين في اليوم.
ورغم أن هوامش الربح على المنتجات التقنية لا تزال مرتفعة، فإن التكلفة ستكون في نهاية المطاف باهظة، من خلال عدم الاستقرار السياسي والهجرة الجماعية الناجمة عن المناخ.
مخطط للتغيير؟
تقول الصحيفة الآسيوية، إن الوقت حان لكي يعمل الغرب جنباً إلى جنب مع أفريقيا في شراكة، لتسخير إمكانات الطاقة الخضراء في القارة من أجل الحياة على الأرض.
وشددت على أنه مع حصول شركة أبل وحدها على ما يقرب من 100 مليار دولار من صافي الأرباح العام الماضي، فقد حان الوقت للحصول على نصيب أفريقيا العادل من الأرباح الفلكية التي تتمتع بها الشركات التي تبلغ قيمتها تريليون دولار.
وفيما أكدت أن تخفيف أعباء الديون على دول القارة السمراء وحده لن يكون كافيا، شددت على ضرورة توجه عمالقة التكنولوجيا إلى إعادة استثمار نسبة ثابتة من أرباحهم في البنية التحتية للمجتمعات المحلية، بما في ذلك المدارس والأمن، ما من شأنه أن يوفر للدول الأفريقية بينها الكونغو، حظا من الدخل يتناسب مع الطبيعة المتكاملة لمواردها التي تستفيد منها أغنى الشركات في العالم.
أما الحل الثاني، فيجب معاقبة الحكومات أو الأشخاص الذين يراعون المليشيات المسؤولة عن الانتهاكات واسعة النطاق، فيما يتمثل الحل الثالث في ضرورة توسيع نطاق اختصاص المحاكم الغربية وخاصة تلك التي تعاني من اختناق شركات المحاماة التي تمثل شركات التكنولوجيا، مع فرض قوانين أكثر صرامة على القادة السياسيين الغربيين صرامة للحد من الاستغلال.