محامي ضحايا درنة لـ«العين الإخبارية»: الأهالي يتمسكون بطلب التعويض
بعد مرور عام على فاجعة ضرب إعصار "دانيال" مدينة درنة ومدنا أخرى في شرقي ليبيا، بدأت المدينة تتنفّس الصُّعداء.
نجحت المدينة في أن تشفي بعض جراحها التي لا تزال غائرة، وتقف على قدميها مرّة أخرى، وإن لم يتجاوز أبناؤها بعدُ حجم المأساة.
ويستذكر الليبيون الثلاثاء، ذكرى الإعصار الذي تسبّب في فيضانات هائلة، ضربت بعنف عدة مدن يومي 10 و11 سبتمبر/أيلول 2023، إذ محت أحياء سكنية بشكل كامل، آخذةً معها آلاف الأرواح.
ووفق حديث المستشار محمد صالح جبريل اللافي، محامي متضرري وأسر ضحايا درنة، لـ"العين الإخبارية"، فإن المدينة "بدأت تتعافى بعد الفيضانات، بفضل جهود القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، والحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، وصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا الذي يشرف على كلّ صغيرة وكبيرة لعودة المدينة للحياة اللائقة بها".
حجم المأساة
يتذكّر اللافي بعضا من مَشاهد فيضانات دانيال، قائلا إن مدينة درنة شهدت مأساة كارثية؛ إذ اختفت أحياء بكاملها، ولا توجد عائلة لم تفقد أحدا من أبنائها، بل إنه وفقا للمصطلح الليبي "أُغلقت كثير من كتيّبات العائلة".
وفيما يدور الرقم الرسمي لضحايا دانيال ما بين 4-5 آلاف قتيل، بجانب فقد آخرين، فإنّ اللافي يرى أن الأعداد الحقيقية "تتجاوز بكثيرٍ ما هو معلن؛ إذ فقدت المدينة خيرة شبابها وأبنائها، والمشهد كان قاسيا جدا على أهلها؛ فلم يتوقّع أحد هذا العدد، وهذا الكم الهائل مِن الوفيّات والدّمار".
وأمّا مَن بقِي على قيد الحياة من أبناء المدينة "فقد ظلّ يعاني من الجراح الجسديّة والنفسيّة، في حادثةٍ لم تحدث في العالم أجمع بمقارنة الرقعة الجغرافية البالغة 15 كم مربع، والتي اختفت تماما أو حل بها الدّمار، وستبقى عالقة في أذهان البشرية عامّة، وأبناء الشعب الليبي والعربي والأمة الإسلامية خاصة"، وفق اللافي الذي حمَّل مسؤولية هذه الخسائر لـ"إهمال المسؤولين السابقين الذين كانوا سببا رئيسيا في هذا الفيضان".
وكان ممّا ضاعف حجم الخسائر البشرية والمادية، انهيار سدّين في درنة؛ ما زاد من اندفاع الفيضانات، وكشفت تحقيقات النيابة العامة فيما بعد أن الانهيار سببه إهمال المسؤولين منذ عام 2003 للصيانة، ووجود تشققات، وعدم توفير منظومة إنذار.
تفاصيل القضية
باعتباره محامي عائلات الضحايا والمتضرّرين، يوضّح اللافي تفاصيل القضية التي تقدَّم بها أبناء مدينة درنة ضد المسؤولين السابقين، قائلا إن التحقيقات شملت 16 متّهما، بينهم مسؤولون سابقون بإدارة الموارد المائية في حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج في طرابلس سابقا، وقضت المحكمة بسجن أغلب المتهمين حضوريا، لمدد تتراوح بين 3 سنوات إلى 20 عاما، وحُوكم آخرون غيابيا بعقوبة السجن المؤبد، وجرت التحقيقات "بمهنية كاملة".
وعن مطالب أهالي المدينة، يُضيف اللافي أنّهم طالبوا بتعويضات؛ كون حكومة الوحدة الوطنية -المنتهية ولايتها- برئاسة عبدالحميد الدبيبة "تعهدت بالتعويض، لكنها لم تقدّم شيئا، إنها لا تدري شيئا عن أهالي مدينة درنة؛ ولذلك لجأ الأهالي إلى القضاء، لجبر الضّرر عن كلّ ما حصل لهم جرّاء هذا الفيضان، بسبب المسؤولين السابقين".
"فزعة الليبيين"
يصف محامي متضرّري وأُسر ضحايا درنة، تدافُع الليبيين من الشرق والغرب والجنوب في جهود الإنقاذ والإغاثة وقت الفيضان، بـ"الملحمة الوطنية التي تكشف عن فسيفساء الأمة الليبية من كلّ المكوّنات والقبائل والمدن والجهات، حيث تنادى الجميع لتقديم كل ما يلزم من معونات إنسانية ولمواساة أهالي مدينة درنة".
وأردف أن هذا التدافع الذي يسمّيه "فزعة الليبيين" كان هو "النقطة الدالة على أنّ الوطن لن يموت، وأن الشعب الليبي إخوة في كل شيءٍ، في السّراء وفي الضّراء، وأن ما فرّقته السياسة جمعه الحزن والمؤاخاة لأهالي درنة، وكأن مأساة درنة كانت عربونا للمحبّة والسلام والإخاء بين الليبيين، وتجاوز كل المشاكل والخلافات السابقة".
جهود الإعمار
عن المرحلة الحالية التي تمرّ بها درنة بعد عامٍ من الكارثة، يقول اللافي إن "جهود الإعمار، التي تقوم بها القيادة العامة للجيش الليبي والحكومة المكلفة من مجلس النواب وصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، نجحت في انتشال المدينة مِن ذلك الكابوس، لتبدأ مرحلةً جديدةً مِن البناء والعمل وإنجاز مشروعات عملاقة".
وتتنوّع هذه المشروعات، حسب اللافي، بين صيانة مقرات ومنازل متضرّرة، وبناء مشروعات جديدة، واستكمال المشروعات المتوقّفة منذ ما قبل عام 2011، معربا عن تمنياته أن تمتدّ هذه المشروعات الوطنية والإعمار لكل المدن، وأن يُوحّد البناء والإعمار الليبيين، كما وحدهم الإعصار والدمار.
وفي 14 سبتمبر/أيلول 2023، أقرَّ مجلس النواب ميزانية طوارئ بقيمة 10 مليارات دينار ليبي (مليارا دولار)، لمعالجة الآثار المدمّرة للفيضانات في كامل المناطق؛ إذ يعمل صندوق التنمية على تنفيذ مشروعات سكنية وصحية وتعليمية وإصلاح شبكات الطرق.
وكان فبراير/شباط الماضي، شهد نجاح المؤتمر الدولي لإعادة إعمار درنة والمناطق المتضرّرة في جذب وفود شركات من أكثر من 26 دولة، للاستثمار في مشروعات إعادة الإعمار.