أحياء مدمرة وأرواح محطمة.. جراح غزة لن تضمدها الهدنة
بعد 15 شهرًا من النزيف والدمار، وضعت حرب غزة أوزارها باتفاق هش بين حركة حماس وإسرائيل يدخل حيز التنفيذ يوم الأحد، لينهي صراعًا ترك وراءه آلاف الحكايات المؤلمة التي لا تزال تطارد ذاكرة الناجين.
وأسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 46 ألف فلسطيني داخل غزة بما يمثل حوالي 2% من سكان غزة قبل الحرب، وفقا لما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم التعرف على أكثر من 40 ألف ضحية، بمن في ذلك 13319 طفلاً، أصغرهم يبلغ من العمر بضع ساعات فقط ومن بينهم جد يبلغ من العمر 101 عام، مضيفة أن 110 آلاف آخرين أصيبوا، أكثر من ربعهم يعانون من إصابات غيرت حياتهم مثل البتر والحروق الشديدة وإصابات الرأس.
ومع ذلك، لا تروي هذه الأرقام القصة الكاملة للخسائر الفلسطينية، حيث إن العدد الرسمي لوزارة الصحة في القطاع لا يشمل إلا الذين قُتلوا بالقنابل والرصاص، والذين تم انتشال جثثهم ودفنها.
ويعتقد أن نحو 10 آلاف شخص قتلوا بسبب الغارات الجوية دفنوا في مبان منهارة، بسبب نقص المعدات الثقيلة أو الوقود اللازمة لانتشال جثثهم من بين الأنقاض.
ووجدت دراسة نشرت الشهر الجاري أن العدد الرسمي للقتلى أقل من تقدير عدد الوفيات الناجمة عن الإصابات المؤلمة في الأشهر التسعة الأولى من الحرب، بسبب الفشل في تسجيل اثنين من كل خمسة ضحايا وهو ما يعني أنه بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2024 "ربما تجاوزت أعداد الوفيات الحقيقية 70 ألف شخص".
تعددت أسباب الموت
كما أدى الجوع ونقص المأوى والأدوية والانتشار السريع للأمراض المعدية وانهيار نظام الرعاية الصحية إلى مقتل العديد من الفلسطينيين الآخرين وتخطط السلطات لإحصاء القتلى عندما يتوقف القتال.
وبالنسبة للخسائر المادية فقد أدى القصف الإسرائيلي إلى تدمير مساحات شاسعة من غزة، كما تركت أحياء بأكملها غير صالحة للسكن.
وتكشف أحدث أرقام الأمم المتحدة أن 9 من كل 10 منازل تدمرت أو تضررت، كما تعرضت المدارس والمستشفيات والمساجد والمقابر والمتاجر والمكاتب للقصف بشكل متكرر. ويرى بعض الخبراء أن هذا التدمير الواسع للمنازل والبنية التحتية يجب اعتباره "جريمة حرب جديدة".
وحتى المنازل غير المدمرة فإن العديد من السكان أٌجبروا على المغادرة حيث تم وضع 80% من أراضي غزة تحت أوامر الإخلاء التي كانت لا تزال سارية في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، مما أدى إلى نزوح حوالي 1.9 مليون شخص بما يمثل 90% من السكان الذين أُجبر العديد منهم على الانتقال أكثر من مرة.
ظروف مأساوية
ويعيش مئات الآلاف الآن في مدن خيام وملاجئ مكتظة بشدة مع سوء الصرف الصحي والوصول إلى القليل من المياه النظيفة.
وستتطلب إعادة الإعمار، عملية تنظيف مذهلة بعدما خلفت الحرب أكثر من 40 مليون طن من الحطام، في المباني المنهارة التي قد تكون ملوثة بالمتفجرات والقنابل غير المنفجرة وقد يستغرق الأمر أكثر من عقد لإزالتها.
وامتد الدمار إلى كل مباني المدارس تقريبًا في غزة، ولم يعد أي منها قيد التشغيل ولأكثر من عام لم يتمكن 660 ألف طفل في سن الدراسة من الوصول إلى التعليم الرسمي في غزة.
وأعادت الحرب التعليم في القطاع إلى الوراء بما يصل إلى 5 سنوات كما تخاطر بخلق جيل ضائع من الشباب المصابين بصدمات نفسية دائمة.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك 564 مبنى مدرسيًا في غزة تضرر أو تدمر 534 مدرسة منها، في حين تم تصنيف 12 مدرسة على أنها "ضرر محتمل". وقالت اليونيسف إن حال باقى المدارس غير معروف.
ملاجئ طارئة
وتم تحويل المدارس التي تديرها وكالة الأونروا إلى ملاجئ طارئة تستضيف أعدادًا كبيرة من النازحين ورغم أنها مميزة بوضوح على الخرائط، إلا أن العديد منها تعرضت للقصف عدة مرات.
وبالنسبة للمستشفيات، فقد تعرضت دائما لقصف القوات الإسرائيلية التي حاصرتها وهاجمتها طوال الحرب، كما تعرض المسعفون للقتل والتعذيب والاحتجاز. فيما قالت منظمة الصحة العالمية الشهر الجاري إنه تم تسجيل 654 هجومًا على المرافق الصحية منذ بدء الحرب.
وفي نهاية عام 2024، كان 17 مستشفى فقط من أصل 36 في غزة يعمل جزئيًا. وقد تعززت الخدمات بوجود 11 مستشفى ميدانيًا، لكن الضوابط الإسرائيلية على دخول العاملين في مجال الإغاثة والمساعدات تعني أن هذه المستشفيات غالبًا ما كانت تفتقر إلى الأطباء والإمدادات الطبية.
واعتبرت لجنة تابعة للأمم المتحدة أن "الهجمات الإسرائيلية المتواصلة والمتعمدة على العاملين والمرافق الطبية" تشكل جرائم حرب".
تفاقم المعاناة
وأدى نقص المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية والأدوية إلى تفاقم معاناة المصابين والذين يعانون من أمراض ناجمة عن نقص المأوى والغذاء والمياه النظيفة أو تفاقمها.
ووفقا لأرقام الأمم المتحدة فقد تم تسجيل أكثر من 1.2 مليون حالة عدوى تنفسية، إلى جانب 570 ألف حالة إسهال حاد في 2024.
وأدت القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات وتدمير الإنتاج الزراعي داخل المنطقة، إلى انتشار الجوع وسوء التغذية على نطاق واسع.
والشهر الجاري، قالت الأمم المتحدة إن 96% من الأطفال دون سن الثانية والنساء في غزة لا يحصلون على العناصر الغذائية المطلوبة، ويواجه 345 ألف شخص نقصاً كارثياً في الغذاء، ويواجه 876 ألف شخص مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي.
تم تدمير ما لا يقل عن نصف غطاء الأشجار في غزة، وتلوثت التربة والمياه وهناك أضرار جسيمة للأراضي الزراعية الأمر الذي سيكون له آثار طويلة الأمد.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن الجيش الإسرائيلي ألحق الضرر أو دمر ما لا يقل عن 31 من 54 خزانًا للمياه بحلول أواخر أغسطس/آب كما تسبب قطع إمدادات الوقود والكهرباء إلى إغلاق جميع محطات معالجة مياه الصحي.
aXA6IDE4LjExNi44OC4xMzIg جزيرة ام اند امز