إعادة إعمار غزة.. مهمة تحتاج 80 مليار دولار وتمتد حتى عام 2040
يتصدر ملف إعادة إعمار غزة المشهد الفلسطيني بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحماس في غزة، وسط حجم هائل من الدمار الذي طال المباني السكنية والبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة.
الحرب، التي بدأت بهجوم مباغت من حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ما جعل الحاجة إلى إعادة إعمار غزة قضية إنسانية واقتصادية ملحة.
وتفاوتت تقديرات كلفة إعادة إعمار غزة بداية من 40 حتى 80 مليار دولار، بيد أن الأصعب هو المدى الزمني الذي تحتاج إليه المهمة الذي قد يمتد حتى 2040.
تكلفة إعادة الإعمار
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن إعادة إعمار قطاع غزة ستتطلب مليارات الدولارات، وتكشف البيانات عن أن حجم الدمار الناجم عن العملية العسكرية الإسرائيلية يحتاج إلى جهود طويلة الأمد، إذ قد تستمر إعادة بناء المنازل المدمرة حتى عام 2040 أو أبعد من ذلك.
وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية للأمم المتحدة أن أكثر من 170 ألف مبنى، أي ما يعادل نحو 69% من إجمالي المباني في قطاع غزة قبل الحرب، قد تهدم أو تعرض لأضرار جسيمة.
وتشمل هذه الإحصاءات نحو 245,123 وحدة سكنية، ما تسبب في تشريد أكثر من 1.8 مليون شخص في حاجة ماسة إلى مأوى.
أضرار البنية التحتية
أفاد تقرير مشترك للأمم المتحدة والبنك الدولي بأن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تُقدر بـ18.5 مليار دولار حتى نهاية يناير/كانون الأول 2024، شملت المباني السكنية والتجارية، إضافة إلى المدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة، ما جعل الخدمات الأساسية شبه معدومة.
كما أظهر تحديث أن المتاح من إمدادات المياه في القطاع لا يتجاوز ربع الكميات التي كانت متوافرة قبل الحرب، كما تعرضت شبكة الطرق لأضرار جسيمة طالت 68% منها، ما يعيق حركة السكان ويزيد من صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية.
الأراضي الزراعية
أظهرت صور أقمار اصطناعية حللها خبراء أمميون أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة قد تدهورت بشكل كبير بسبب الصراع، ما يزيد من معاناة السكان في القطاع الذي يعاني من أزمة غذائية حادة.
وأوضحت البيانات أن البساتين والحقول المزروعة بالخضراوات قد تعرضت لتدمير واسع النطاق بعد 15 شهرا من القصف الإسرائيلي، ما فاقم أزمة الجوع في المنطقة.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) فقد ذُبح أو نفق أكثر من 15 ألف رأس من الماشية، ما يعادل 95% من إجمالي الماشية، إضافة إلى نفوق نصف الأغنام منذ اندلاع الصراع ما أثر على مصدر رئيسي للغذاء.
تدمير المدارس والجامعات ودور العبادة
إلى جانب الخسائر الزراعية تضررت مئات المدارس والجامعات ودور العبادة بسبب الحرب، وتشير البيانات الفلسطينية إلى تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية، 136 مدرسة وجامعة، و823 مسجدا، بالإضافة إلى ثلاث كنائس.
وذكر تقرير مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن 17 فقط من أصل 36 مستشفى تعمل جزئيا بحلول يناير/كانون الثاني 2024، فيما لحقت الأضرار بأكثر من 70% من المدارس، التي تدير الأونروا معظمها.
كما أُحصيت 408 مدارس تعرضت للضرر بما يعادل 72.5% من المؤسسات التعليمية في القطاع، ودُمّرت 53 مدرسة بشكل كامل.
أما على صعيد دور العبادة فقد كشفت بيانات مشتركة بين UNOSAT وOpenStreetMap أن 61.5% من المساجد تضررت أو دُمّرت، ما يعكس حجم الدمار في البنية الدينية للقطاع.
وأشار تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية إلى أن أكثر من 90% من المباني على طول الحدود الشرقية لغزة تعرضت لأضرار جسيمة أو دُمرت بالكامل حتى مايو/أيار 2024، بما في ذلك أكثر من 3500 مبنى.
أضرار جسيمة بالمباني
يعتبر قطاع غزة واحدا من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، إذ كان يعيش فيها 2.3 مليون شخص على مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترا مربعا قبل اندلاع الحرب.
وأظهرت تحليلات بالأقمار الاصطناعية أجراها خبراء في جامعة ولاية أوريغون، أن 56.9% من مباني القطاع قد تضررت أو دمرت حتى 21 أبريل/نيسان 2024، ليصل إجمالي المباني المتضررة إلى 160 ألفا.
الوضع في مدينة غزة، التي كانت تأوي 600 ألف نسمة قبل الحرب، أكثر خطورة، إذ دُمرت أو تضررت 74.3% من مبانيها، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان.
استهداف المستشفيات
خلال الحرب تعرضت المنشآت الصحية في غزة لاستهداف مكثف من قبل الجيش الإسرائيلي، الذي اتهم حركة حماس باستخدام المستشفيات لأغراض عسكرية، وهو ما تنفيه الحركة.
ووفقا لتحليلات جامعة أوريغون فإن 60% من المنشآت الصحية تضررت أو دُمرت خلال الأسابيع الستة الأولى من الحرب.
وشملت الهجمات أكبر مستشفى في القطاع "مجمع الشفاء الطبي" الذي تعرض لهجومين، الأول في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 والثاني في مارس/آذار 2024، ما حوله إلى "هيكل فارغ" بحسب منظمة الصحة العالمية، حيث أُشير إلى تناثر أشلاء بشرية داخله بعد العملية الثانية.
بحسب بيانات جمعتها "أوبن ستريت ماب" ووزارة الصحة في غزة ومركز الأقمار الاصطناعية للأمم المتحدة، دُمرت خمسة مستشفيات بالكامل حتى مايو/أيار 2024، كما أفادت الأمم المتحدة بأن أقل من 28% من المستشفيات في القطاع تعمل بشكل جزئي.
إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار
أكدت الأمم المتحدة أن إزالة 42 مليون طن من الركام الذي خلفه القصف الإسرائيلي في غزة، قد تستغرق سنوات طويلة بتكلفة تصل إلى 1.2 مليار دولار.
وأشار تقرير صدر في أبريل/نيسان 2024 إلى أن عملية إزالة الأنقاض قد تستغرق 14 عاما، وسط تقديرات بوجود نحو 10 آلاف جثة تحت الحطام، بحسب وزارة الصحة في غزة.
وتُقدَّر تكلفة إعادة إعمار القطاع، وفقا للأمم المتحدة، ما بين 30 و40 مليار دولار حتى مايو/أيار 2024، مع الإشارة إلى أن ثلثي المدارس تحتاج إلى إعادة بناء كامل أو إصلاحات رئيسية للعودة إلى الخدمة.
أزمة اقتصادية خانقة
لم تقتصر آثار الحرب على الخسائر البشرية الفادحة، بل تجاوزتها إلى كارثة اقتصادية عميقة، حيث دمرت الحرب اقتصاد غزة بالكامل، وبحلول منتصف 2024 انخفض الناتج المحلي إلى أقل من سدس مستواه في 2022.
ووفق تقرير حديث استند إلى أرقام فصلية من المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني، انخفض إجمالي الناتج المحلي في غزة بنسبة 81% في الربع الأخير من 2023، ما أدى إلى انكماش اقتصادي بنسبة 22% للعام بأكمله.
وشهد القطاع الزراعي دمارا هائلا، إذ دُمرت ما بين 80% و96% من شبكات الري، ومزارع المواشي، والبساتين، والمعدات الزراعية، ومرافق التخزين، ما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في القطاع.
القطاع الخاص والبطالة
تعرض القطاع الخاص، الذي يمثل المحرك الأساسي لاقتصاد غزة، إلى ضربة قاسية، حيث تضررت أو دُمرت 82% من الشركات، ما أدى إلى فقدان ثلثي الوظائف التي كانت متاحة قبل الحرب، ما عمّق معاناة السكان الاقتصادية.
فقر شامل
كان الفقر متفشيًا في غزة حتى قبل الحرب، إلا أن الأوضاع الحالية جعلته يشمل "جميع السكان تقريبا"، بحسب التقرير، في ظل غياب فرص العمل وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي.
ووفقا لتقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في سبتمبر/أيلول الماضي، فإن الإنتاج توقف، وفُقدت مصادر الدخل، وازدادت معدلات الفقر بشكل كبير، مع تسوية أحياء ومدن كاملة بالأرض.
ووصف التقرير الوضع بأنه أزمة "غير مسبوقة" إنسانيًا وبيئيًا واجتماعيًا. وأوضح معتصم الأقرع، مسؤول التنسيق والمساعدة للشعب الفلسطيني في المؤتمر، أن حجم الدمار هائل وقد يتطلب عقودًا للوصول إلى مستويات ما قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023.
دعوة لدعم دولي
دعا الأقرع المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم اللازم لتحقيق تنمية مستدامة في غزة، مشددا على أهمية إعادة بناء البنية التحتية والمجتمعات التي دُمرت، وتوفير حلول طويلة الأجل لآثار الحرب المدمرة على القطاع.
وأكد الحاجة الماسة إلى تدخل دولي لدعم جهود إعادة الإعمار، وإنعاش الاقتصاد، وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان في غزة، حيث باتت الأزمة الإنسانية والاقتصادية تمثل واحدة من أشد الكوارث في تاريخ المنطقة.
aXA6IDE4LjIyMS4xODguMjQxIA== جزيرة ام اند امز