تبعاً لما سلف يمكن القول إن منتدى شباب العالم في مصر محطة مهمة ضمن محطات يمكن أن تحقق ما نسميه "استراتيجية التكوين" لشباب مصر
هي إذا تلك الثنائية التي تتأرجح بينها ورقة الشباب في أجندة الحكومات في جميع أنحاء العالم، مطلب شبابي ينادي بالتمكين، وهو فتح المجال أمامهم في التوظيف والقيادة على أن يكون ضمن عمل مؤسسي يضمن لهم الفرص ويضمن لهم استمرارها، وفي المقابل قد تجد مطلبا آخر يخرج هذه المرة من أصحاب العمل مسؤولي المؤسسات والشركات التي تكون مجالا لعمل الشباب وهو: (قبل أن تسعوا لتوظيف وتمكين الشباب عليكم بالتكوين أولا).
والتكوين هو مصطلح تستخدمه بلاد المغرب الحبيب في مؤسسات التعليم الحكومية، فهناك وزارة التعليم والتكوين، وفي المشرق وزارة التربية والتعليم، فالتكوين في معناه العام يتحرك على جميع المحاور التي تعنى بـ"التدريب، التطوير، التأهيل، التثقيف، المشاركة، التفاعل، التربية"، وكل ما من شأنه أن يصب في استكمال الأدوات التي تجعل الشاب قادرا على التعامل مع متغيرات العصر، وتجعله قادرا على أن يكون إضافة لبيئة العمل حين ينتمي إليها.
تبعاً لما سلف يمكن القول إن منتدى شباب العالم في مصر محطة مهمة ضمن محطات يمكن أن تحقق ما نسميه "استراتيجية التكوين" لشباب مصر. إن تمت بمعاييرها حتما ستفضي إلى تمكين لهؤلاء الشباب، يكون تمكينا منتجا وراسخا ومؤسسا.
بعض الحكومات في مصر وفي العالم العربي ارتبكت وهي ترتب أولويات التعامل مع الشباب، فهناك من وضع التمكين قبل التكوين وطبعا باءت النتيجة بالفشل لأنه وضع العربة أمام الحصان، وزج بالشباب في بيئات لا يعرفون عنها شيئا، وهناك من اشتغل على التكوين والتأسيس دون أن يخلق حقولا وبيئات عمل تستوعب هذه الكفاءات والكوادر، فأحدث انفتاحا في التكوين وانغلاقا في التمكين فكانت النتيجة أيضا محكومة عليها بالفشل.
والمعادلة الصحيحة أن تكون العلاقة بين الاثنين بلا حواجز تتسم بسياسة الأبواب المفتوحة بين التكوين والتمكين، كل يؤدي إلى الآخر دون موانع، تكوين يؤدي إلى تمكين، وتمكين ناقص يعود إلى التكوين ليستكمله، من هنا تأتي أهمية ملتقيات الشباب، ومنها "منتدى شباب العالم في مصر"، وباعتباره مجال تكوين حقيقي يوفر بيئة الاحتكاك والمشاركة والتعلم والتثقيف، ثم ينتقل إلى مأسسة ذلك عبر الأكاديمية التي أنشئت من أجل ذلك، وهي "الأكاديمية الوطنية للتدريب والتطوير"، وبعد ذلك يكون سوق العمل الإنتاجي جاهزا، أو سوق العمل القيادي منفتحا أمامهم.
في المقال الماضي، انتهيت إلى تلك المعضلة التي تتعرض لها الحكومات في الوقوع بين خيارين:
إذا أرادت أية حكومة أن تشتغل على التنمية السياسية في بلد ما، وتنشر مهاراتها وتبني أجيالا تكون قادرة على تولي أدوار قيادية، أجيالا لديها الخبرة والدراية بما يحدث في مجريات العالم، أجيالا مرتبطة بوطنها، لديها ما يمكن أن نسميه عقيدة المواطنة.
هل تبدأ بالتنمية الاقتصادية التي ستؤدي إلى التنمية الإنسانية التي ستؤدي إلى التنمية السياسية؟ أتصور أن هذا طرح غير عاقل، وأنه لا يوجد ما يجعلنا نتخيل أن التنمية السياسية قد تتقاطع مع التنمية الاقتصادية والإنسانية، وأنه عين العقل والمنطق أن تسير التنمية في جميع مجالاتها جنبا إلى جنب. نعرف جيدا أن الأمر يكون أحيانا صعبا في ظل اقتصادات ليست قوية مثل مصر، ففتح جبهات عديدة من الإصلاح في وقت واحد قد لا تسمح لنا الموازنة بذلك.
في ظل كل هذا يأتي تأسيس منتدى شباب العالم، ويؤخذ من عدة زوايا ورؤى، أولها أنه خطوة في تواصل السلطة مع شريحة الشباب أو من يمثل هذا الشريحة؛ لأنه من غير المعقول أن يكون هناك منتدى قادر على استضافة 20 مليون شاب.
وبالتالي من يحضر هم ممثلون عن شرائح الشباب بما فيهم ذوو القدرات الخاصة، وبلغة السياسة يقولون حينما تضيق الهوة بين الحاكم والمحكوم يكون ذلك علامات رشد لأي نظام سياسي، وفي هذا المنتدى ستجد صورة للرئيس عبدالفتاح السيسي في قلب الشباب ممسكا بورقة يسجل مطالبهم.
النقطة الأخرى المهمة وهي توقيت عقد هذه اللقاءات، بدءا بالمؤتمرات الوطنية وصولا إلى نسخة منتدى شباب العالم، هذه اللقاءات بين القيادة السياسية والشباب ومن خلفهم بقية شرائح الشعب جاءت في توقيت شديد الذكاء، وجاءت بعد خروج مصر من أزمة حكم وصلت إلى حد الكابوس، وهي أزمة حكم الإخوان المسلمين، هنا حدث في عقلية ووجدان الشباب حالة فقد ثقة بالقيادة أو خوف من أي سياسي، فكانوا يحتاجون إلى من يطمئنهم، وبالتالي تكرار اللقاءات المباشرة بينهم وبين الرئيس أزاحت كثيرا من اللغط.
أيضا جاءت تلك اللقاءات بعد أن كاد الشباب يفقد الحلم الذي كبر معهم في مراحل ثورتي مصر 25 يناير/كانون الثاني و30 يونيو/حزيران.
المتغير الذي أعتبره جديدا فعلا في تلك الفعاليات التي تسعى إلى التنمية السياسية أو الإنسانية هو خروج المنتدى من دائرة المحلية المصرية إلى حيز العالمية وهنا قراءة مهمة.
أولا ليس عيبا أن تكون أنشطة أو مؤسسات تعمل على التنمية السياسة وتكون محلية فقط؛ لأن بصراحة الغرض الأساسي هو أبناء الوطن الواحد، وهذا شيء مهم. لكن لو استطعت أن تنفتح على العالم انفتاحا مدروسا يأتي تبعا لمعاييرك أنت وليس لمعايير الآخرين فهذا شيء أكثر من رائع.
الجديد الذي قدمه منتدى شباب العالم منذ خرجت نسخته الأولى أنه أخذ متغير الزمن والعالم بعين الاعتبار، ففكرة العولمة التي أشار إليها "هانتنجتون" ومن قبله "فوكوياميا" وغيرهما من مفكري العولمة الأمريكية هي وحدة النموذج السياسي التي ينضبط العالم على أساسها.
الليبرالية الأمريكية بشقيها السياسي والاجتماعي والرأسمالية الاقتصادية.
من هنا إذا أردت أن تنشئ تنمية سياسية صحيحة فعليك أن تأخذ بعين الاعتبار هذه المتغيرات، لأن نماذج المحاكاة التي يعقدها الشباب المشاركون في دورات المنتدى تؤسس لهذه الفكرة، "محاكاة مجلس الأمن، محاكاة الاتحاد الأفريقي، محاكاة الاتحاد الأورومتوسطي".
وبالتالي توفير الاحتكاك المباشر والفعلي والحقيقي بين من يمثلون شباب مصر وبين شباب من أكثر ما يزيد على مئة دولة فهذا شيء لا يقدر بثمن، فأنت تضع الشباب المصري في قلب مئة ثقافة ومئة لغة ومئة عقلية. أضف إلى ذلك أن تنجح في إنشاء مؤسسة شبابية مصرية تنجح في أن يكون لها موطئ قدم على خارطة فعاليات العالم الشبابي فهذا إنجاز آخر.
لماذا؟ لأسباب كثيرة أولها هو رد عملي بياناتي عما قد يشاع عن عدم استقرار مصر، فبلد قادر على استضافة هذا الكم في مدينة شرم الشيخ العالمية لهو شيء عالمي.
ما الذي نتمناه لمنتدى شباب العالم؟
نتمنى أن يصل منتدى شباب العالم إلى كل قرية ونجع من ريف مصر لأنه وببساطة النسبة الأكبر من شباب مصر موجودة في الريف وليس في الحضر، بما يعادل الثلثين إلى الثلث، هؤلاء شباب الريف قد لا يكونون قادرين حتى على متابعة تفاصيل المنتدى، أو ما يحدث فيه.
من هنا أقترح عمل "قوافل منتدى شباب العالم" هذه القوافل تعتمد على المتطوعين في كل محافظة، وتبدأ في التحرك إلى القرى والنجوع والالتقاء بالشباب وعمل ورش تدريب وتطوير وتنمية كفاءات والإجابة على الأسئلة العالقة في أذهانهم.
ثم يتم عمل قافلة صغيرة من أبناء المكان تتولى هي تأدية الدور بشكل يومي، الشيء الآخر كل المفكرين الذين اشتغلوا على رصد مسارات التنمية السياسية حذروا من شيء مهم، وهو أن يكون الانفتاح في التنمية السياسية يقابله انغلاق في الممارسة السياسية.
لأن منتج التنمية السياسة عبارة عن كوادر قادرة على ممارسة العمل السياسي، فإذا كثرت هذه الكوادر دون أن تجد لها سوقا سياسيا ملائما تؤدي إلى خلل نتيجة إحباط يفضي إلى أن كل كادر سياسي يبدأ في خلق مسار يلائمه وبطريقته.
الأُمنية الأخرى أن يصبح منتدى شباب العالم جزءا من عمل كل وزارة، وهذا ليس مستحيلا لأنه وببساطة إن دققت النظر في أهداف أي وزارة ستجد أنها تستهدف الشباب أو تعتمد على الشباب في تنفيذ أهدافها، وبالتالي من الممكن أن يتحول منتدى شباب العالم إلى أفكار وأجندات عمل تستمر طوال شهور السنة على أن يتم تخصيص نشاط أو هدف أو عنوان واحد لكل عام.
لذلك وتبعا لما سلف يمكن القول إن منتدى شباب العالم في مصر محطة مهمة ضمن محطات يمكن أن تحقق ما نسميه "استراتيجية التكوين" لشباب مصر، إن تمت بمعاييرها حتما ستفضي إلى تمكين لهؤلاء الشباب، يكون تمكينا منتجا وراسخا ومؤسسا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة