خلافات الإصلاحيين والمحافظين في إيران.. بيادق تمويهية يحركها الملالي
استمرار إيران بالتغريد خارج سرب اللعبة الدولية يؤكد أن خامنئي والحرس الثوري يشكلان نواة القرار في البلاد.
خطان متوازيان يحكمان قبضتهما على السياسة الإيرانية، الأول متشدد يقوده المرشد الأعلى والحرس الثوري، والثاني إصلاحي يدثر بعباءة البراغماتية، ويمثله رئيس البلاد ووزير خارجيته.
تياران يستندان إلى نهج فكري متباين في خطوطه العريضة، فكان من البديهي أن يغيب التناغم عن معسكرين شقتهما الخلافات حتى مزقت البلاد إلى شطرين، وحولتها إلى رقعة شطرنج تتنازعها البيادق من كل جانب.
- سيناتور أمريكي يحذر: الانسحاب من سوريا يعزز نفوذ إيران
- انعدام الثقة في "سروش".. لماذا يتمسك الإيرانيون بتليجرام؟
انقسامات انبثقت في البداية عن اختلاف وجهات النظر بين الرئيس حسن روحاني، المحسوب على التيار الإصلاحي، وبين المرشد علي خامنئي، فيما يتعلق بالسياسة الداخلية لبلد حشر شعبه في زاوية ضيقة وقاتلة بين الفقر والتزمت.
لكن الخلافات سرعان ما شملت أيضا السياسة الخارجية لطهران، وخصوصا جبهات قتالها المفتوحة في أكثر من مكان، في اليمن وسوريا تحديدا، وما تتطلبه من تمويل ضخم يعتقد الإصلاحيون أنه من الأفضل توجيهه لتنمية وتطوير الاقتصاد، من أجل رفاهية السكان.
غير أن محللين يجزمون بأن حتى تلك الانقسامات يوظفها نظام الملالي لصالحه، ويصنع منها صورة ترويجية لدى الغرب.
توظيف الانقسامات
مع أن البعض يعتقد أن طفو الانقسامات الداخلية في إيران إلى السطح من شأنه أن يفاقم من الصورة السلبية لهذا البلد في عيون العالم وخصوصا الغرب، إلا أن نظام الملالي وظف حتى هذه الخلافات في التسويق لصورة مغايرة لبلاده في الخارج.
فالمعلوم أن السلطة في إيران لا تزال مترسخة في يد المرشد الأعلى، لكن الأخير يتغاضى عن "انفلات" روحاني لعديد من الأسباب، أبرزها رغبته في تقديم صورة غير نمطية ومقبولة ومستساغة عن بلاده في عيون الغرب.
طرح يدعمه النشاز الحاصل بين التصريحات والأفعال، ففي الوقت الذي تتواتر فيه تصريحات الشق المعتدل في إيران مطالبة بتقليص التدخل الخارجي، فإن ما يحدث على أرض الواقع مخالف لذلك تماما، ما يعني في النهاية أن تلك التصريحات ليست سوى أبواق للدعاية، وأن السياسة التوسعية الإيرانية باقية على حالها.
وهذه الخلاصة تأتي من حقيقة أنه لا يمكن تمرير أي قرار حول السياسة الخارجية دون موافقة خامنئي، ما يشي بأن التوترات الناشبة بين الإصلاحيين والمحافظين حول قضايا مثل الاتفاق النووي، ليست سوى صورة مصغرة عن محاولات النظام تشتيت الانتباه بعيدا عن الميكانيزمات الداخلية التي تحكم صنع القرار الفعلي في طهران.
ففي الواقع، وفي عمق القرار الإيراني، يرتسم خط صارم لا يمكن لا لروحاني ولجواد ظريف تجاوزه أو التجرؤ على التفكير في ذلك.. هو خط أحمر ينتصب كجدار عازل بين البروباجاندا التي يروج لها النظام وبين غرفة عملياته الفعلية.
فروحاني نفسه لم يكن ليصبح رئيسا لولا موافقة خامنئي، لأن الأمر برمته لا يتعلق بنتائج الانتخابات كما يبدو للوهلة الأولى، وإنما يحق لمجلس صيانة الدستور المشرف على الانتخابات الرئاسية، استبعاد المرشحين الذين لا يروقون لخامنئي، ما يعني أن روحاني مفيد بشكل أو بآخر، وإلا لكان استبعد منذ البداية.
البراغماتية.. أداة بيد خامنئي
رغم الضغوط الدولية على طهران، والمتعلقة على وجه الخصوص بالاتفاق النووي، إلا أن استمرار إيران بالتغريد خارج سرب اللعبة الدولية، يؤكد أن خامنئي والحرس الثوري يشكلان نواة القرار في البلاد، وأن براغماتية روحاني تظل مجرد أداة بيد الشق الأول، فلا هي براغماتية بالمعنى الاصطلاحي المفضي إلى توجه معارض على أرض الواقع، ولا هي فكر قادر على التحرك وسط مربع مغلق ومشبع بالإسقاطات.
حالة تقبع في الخط الفاصل بين حدود الأشياء، ما يجعل من الصعب تصنيفها، غير أن الثابت يظل وفق مراقبين، هو أنه مهما ظهر من أعراض البراغماتية على الموقف الإيراني، فإن ذلك لن يغير شيئا في توجهات البلاد، ولن يدفعها للتخلي عن طموحاتها الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
سياسة مزدوجة تقوم على معيارين: الأول داخلي، حيث يحرص نظام الملالي على أن يبدو أمام مواطنيه، غير منصاع أو راضخ للضغوط الدولية، وذلك عبر ترديد نفس العبارات ضد الولايات المتحدة وحلفائها، فيما يسعى روحاني وظريف للتودد للغرب، في مسار مزدوج بات اليوم وسيلة مثلى لطهران تضمن من خلالها كبح الانفعالات الداخلية، وتحصل في الوقت نفسه على ود المجتمع الدولي.
aXA6IDMuMTMzLjE0OC43NiA= جزيرة ام اند امز