طهران تُقدم نفسها اليوم كشريك ثقافي في المجتمع العالمي، عبر منظمة اليونسكو والفعاليات الثقافية الدولية
أرض الفرس تحتضن عبر التاريخ كنوزاً حضارية بروافدها الفكرية والثقافية الغنية والقيمة منذ أكثر من 3000 سنة، حيث أضافت إلى الحضارة العربية والأوروبية الكثير من القيم النبيلة، ولهذا شكّلت الثقافة أساس العلاقات بين إيران وغيرها من بلدان العالم.
وشاركت إيران عبر قرون بفاعلية، البلدان الغربية في كونية القيم الإنسانية باعتمادها على هذا الإرث الحضاري، لكن تغيرت المعطيات والمعايير والموازين السياسية مع انتصار الثورة الخمينية؛ ورفضتها القوى الغربية، كما رفضتها القوى العربية سياسياً بل ودينياً، ليس رفضاً للديمقراطية المزعومة، بل رفضاً لهذا التيار الإسلامي الغريب عن روح الدين الحنيف، والمنبثق باعتراف الخميني من الفكر «الإخواني» لحسن البنا، وما تفرع منه من كوارث ما زلنا نعاني منها في بلادنا، العرب والغرب على السواء، فعملت طهران على تصدير ثورتها للشباب المسلم عبر الانتصار للمقاومة بجنوب لبنان والحراك السياسي بموجات «الربيع العربي» بدعمها لجماعات الإسلام السياسي.
كما توظف طهران منافذ ثقافية بقنوات اجتماعية وطائفية وإعلامية - حيث وصلت إلى أكثر من 150 قناة باللغة العربية- لإثارة ثورة ثقافية في الجسم الإسلامي مستغلة الأقليات المسلمة، سلمية الصوفيين وعشقهم لأهل بيت النبي الكريم وخطورة التيارات التكفيرية والإرهابية، التي عملت على إنشائها لتفتيت العالم الإسلامي بالفكر المتطرف السُني، وما أنتجته من انحرافات خطيرة مستغلة الفقر والجهل والقضايا المصيرية كقضية القدس الشريف وتحريره.
القوة الناعمة الإيرانية لها العديد من الأذرع في مناطق كثيرة في العالم لتنفيذ أهدافها الاستراتيجية عبر الدبلوماسية الموازية بتشكيل تحالف ثلاثي إيراني - قطري - تركي بولاية الفقيه وحكم المرشد.
طهران تُقدم نفسها اليوم كشريك ثقافي في المجتمع العالمي، عبر منظمة اليونسكو والفعاليات الثقافية الدولية، وذلك من أجل تلوين الثقافة العربية؛ فأوقفت إلى حين، عمل خبراء وزارة الحرب لديها لتفعل دور وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي بالتنسيق مع وزارتي الخارجية والإعلام، مما أنتجت دبلوماسية دينية موازية الهدف منها نقل المشروع الصفوي والتبشير للمذهب الشيعي في المجتمعات الإسلامية ومجتمعات الأقليات المسلمة، خصوصاً بأفريقيا.
فدمجت القيادة الإيرانية جميع المؤسسات والمراكز الحكومية والعامة التي تنشط خارج إيران في المجالات الثقافية والإعلامية وتجميعها في مؤسسة مركزية واحدة (رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية)، وكلفت «المجلس العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية» للتواصل مع المنظمات السُنية قصد تلميع صورتها واختراق المؤسسات السُنية تحت شعار وجوب (الوحدة الإسلامية) لمواجهة مشروع (الاستكبار العالمي)، مما دفع بالمجلس الإيراني إلى اعتبار وجود الرابطة أمراً ضرورياً لمواجهة معسكر (النواصب)، أي أهل السُنة كما يقولون في أدبياتهم، وتمت المصادقة عليها من قبل قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي المترجم لكتب سيد قطب إلى الفارسية، حيث أقام لها حالياً ممثليات ثقافية في أكثر من 78 دولة في العالم تنشط في مجال تعزيز العلاقات الثقافية مع مختلف الشعوب، وتركز على الشراكات الثقافية والأكاديمية والتبادل الإيجابي للقيم الإنسانية، مرتبطة رسمياً بوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي وخصص لها ميزانية ضخمة للتبشير بالمذهب الشيعي على حساب المذهب السائد والجامع لجموع المسلمين، أي مذهب أهل السُنة، فيما ينشط الممثلون الثقافيون للرابطة في أنحاء العالم، ويمارسون مهامهم كسفراء ثقافيين لها لتنفيذ خطط الملالي بمفاهيمهم في مختلف المجالات العقائدية والفقهية والأخلاقية والاجتماعية، بل اتسع نشاط الرابطة إلى تعميق مجالات البحث والحوار بين مراكز وقادة الأديان.
فبادرت بدعم مشاريع البحوث الإيرانية ولاسيما في مجالات مقارنة الأديان والفرق بين المذاهب وتقويم الأفكار، والترغيب في الفكر الشيعي باعتباره الأصح والحافظ للأمن والسلم، وأن المذهب السُني هو مصدر التطرف والإرهاب ونشر ذلك على كونه دستور ثقافة الشعوب الإسلامية والتيارات الثقافية في المجتمعات المختلفة، ففتحت جامعة «المصطفى العالمية» - ومقرها قم - أكثر من 30 فرعاً لها بالعالم منها أفريقيا وأوروبا - وقد رصدنا السياسة الثقافية لنظام الجمهورية الإيرانية، تسير حسب منهج الإمام الخميني الفكري والعقائدي ووصاياه (المعصومة)، وقد لاحظنا بأن طهران استخدمت قوتها «الناعمة» لتنسجم مع فلسفة الشرعية الدولية، فإيران تعلم أن خروج قوتها الناعمة عن إطار الشرعية الدولية قد يقلل من جاذبية سياساتها الخارجية، ويتم النظر إليها على أنها عدوانية، فقوة إيران الناعمة تحمل في طياتها جملة من التناقضات من حيث إنها تركز على التأثير والتواصل مع الآخرين، ومن ناحية تركز على إطار الاستقطاب الطائفي في المنطقة، فالقوة الناعمة الإيرانية لها العديد من الأذرع في مناطق كثيرة في العالم لتنفيذ أهدافها الاستراتيجية عبر الدبلوماسية الموازية بتشكيل تحالف ثلاثي إيراني - قطري - تركي بولاية الفقيه وحكم المرشد.
لذا أصبح من الأمن القومي للعالم الإسلامي تحصين المرافق الفكرية والدينية لشعوبه، ولأبناء الأقليات المسلمة مع القيام بتفكيك الخلايا الإيرانية النائمة، التي تشكل تهديدات سياسية وأمنية قائمة لدول الخليج ولبنان بجيوبها بالسودان ومصر وشمال أفريقيا. فإلى متى ستبقى مؤسساتنا الدينية والثقافية ضعيفة ومتفرقة لمواجهة مشروع تصدير الثورة الخمينية؟
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة