دبلوماسي ليبي سابق: مؤتمر برلين محاولة لتلافي أخطاء باريس وباليرمو
رمضان البحباح قال إن على الجيش الوطني القضاء على الإرهاب والمليشيات للوصول بليبيا إلى حكومة وحدة وطنية ودستور جديد وانتخابات وتشريعات جديدة
قال الدبلوماسي الليبي السابق، رمضان البحباح، إن مؤتمر برلين المزمع عقده ديسمبر/كانون أول المقبل بشأن ليبيا هو محاولة من الغرب لتلافي الأخطاء التفاوضية التي وقعوا فيها من خلال المؤتمرات السابقة مثل باليرمو وباريس.
- تنسيق مصري ألماني قبيل انعقاد مؤتمر برلين بشأن ليبيا
- الجيش الليبي يستبق مؤتمر برلين: متمسكون بالسلام وحل المليشيات
وسبق وعقد مؤتمر باريس حول ليبيا في مايو/أيار 2018 لوضع خارطة طريق لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، تلاه مؤتمر باليرمو في إيطاليا نوفمبر/تشرين الماضي لدعم عقد ملتقى وطني شامل بقيادة ليبية، إلا أن هذين المؤتمرين فشلا في تحقيق مخراجاتهما، بسبب افتقاد الآليات الحقيقية لتنفيذها على الأرض، وإهمال الترتيبات العسكرية والأمنية وتفكيك المليشيات ونزع سلاحها.
وأضاف البحباح، في حديث مع "العين الإخبارية"، أن برلين تحاول من خلال مؤتمرها تليين بعض التشدد والتصلب من قبل الجانبين المتنازعين لصالح أطراف أخرى مقابل مكاسب سياسية واقتصادية وغيرها في ليبيا.
وحول فرص نجاح مؤتمر برلين، أشار الدبلوماسي السابق إلى أن النجاح من عدمه تحدده الجوانب الفنية والأفكار وطريقة طرحها ومفاهيمها ومدى استجابة البعض لها إلا أن فعالية واستثمار الأوضاع على الأرض لم تتضح بعد.
وأكد "البحباح" أن دخول ألمانيا على خط الأزمة الليبية للحفاظ على مصلحتها المباشرة في ليبيا، قائلا: "لن تستمر برلين مكتوفة الأيدي أمام أطراف ربما تضر بمصالحها، لاسيما وأن النفط الليبي هو الطاقة المحركة للاقتصاد الألماني".
وأضاف: "استدعاء الدور الألماني محاولة تفاوضية لخلط الأوراق، إذا ما اعتبرنا أن هذا المؤتمر برعاية ألمانية وليس حالة مكانية ينبغي إشراكها، فإن برلين ذات تأثير قوي اقتصاديا في أوروبا، ما يشير إلى تفاصيل اقتصادية مهمة بين أطراف الصراع في ليبيا ينبغي أن تتعزز بموقف تفاوضي أكبر مع اقتراب حالة الحسم السياسي والعسكري لينال منه الجميع نصيبا".
وتعمل العديد من الشركات الألمانية في مجالي النفط والطاقة في ليبيا، مثل شركتي شلمبرجير النفطية، والتي تتعاون مع الشركات الأخرى في صيانة وتطوير القطاع النفطي، وسيمينس التي وقعت مؤخرا عقدا لإنشاء محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية في مدينتي طرابلس ومصراتة، وغيرها من الشركات.
الأمم المتحدة
وأكد البحباح أن الموقف الدولي في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن ليبيا يعبر عن عدم تفاهم وتعارض المصالح بشكل كبير بين الدول المهتمة بالملف الليبي، "كل طرف داعم يحاول حسم الصراع لصالحه بغض النظر عن شرعية الطرف المدعوم".
واعتبر الدبلوماسي الليبي السابق أن حكومة الوفاق هي طرف مدعوم من دول لها مصلحة مباشرة في ليبيا وتنفذ تعليماتها ما يبرر الصمت الدولي على انتهاكاتها لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية وتعيين مطلوبين دوليين في مناصب قيادية مثل صلاح بادي المليشياوي المطلوب دوليا لحرقه مطار طرابلس الدولي عام 2014.
وأشار البحباح إلى أنه ليس هنالك توافق "مصالح دولية" على القبض على هؤلاء المطلوبين، ما يفسر بقاءهم واقعيا خارج دائرة القبض والاعتقال حتى تكتمل "المسرحية" ويتم التفاهم على إخراجها.
وحول تقييمه لأداء بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أكد البحباح أن العلة ليست في البعثة أو من يترأسها، مؤكدا ما سبق وذكره المبعوث الأممي غسان سلامة حول "افتقاد البعثة للقدرة على أي عمل تنفيذي".
ونوه إلى أن البعثة الأممية في ليبية تكتفي بدور المراسل لهيئة الأمم المتحدة للواقع في ليبيا من عدة جوانب، مشيرا إلى أن الانقسام بين الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن حول القضية الليبية قد شل عمل البعثة في ليبيا ولم يعد لها أي دور إلا شكل "ديكوري" فقط.
وتردد على ليبيا 6 مبعوثين أممين منذ مارس/آذار 2011 حتى الآن بهدف دعم الأمن والاستقرار ونجاح العملية السياسية، وتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة، إلا أن مراقبين يرون أنها فشلت في طرح مبادرة جادة لإنهاء الأزمة بالبلاد، ووضح ذلك جليات في وجود حكومتين تتقاسمان السلطة في ليبيا، وتشرعن إحداهما المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، وتؤمن اختراقات القرارات الأممية بحظر التسليح المفروض على ليبيا، ما أسفر عن اشتعال المعارك العسكرية.
دبلوماسية الوفاق
وقال السفير الليبي السابق إنه لا توجد دبلوماسية ليبية الآن، مؤكدا أن وضع البلاد لا يسمح لها بإقامة أي علاقة كونها دولة "منزوعة السيادة" وتحت طائلة قرارات مجلس الأمن وتدار من قبل الأمم المتحدة عن طريق مندوبها.
وأضاف: "الحديث عن الدبلوماسية يعني أنك تتحدث عن دولة ذات سيادة ودولة تقرر في مصيرها بنفسها وتعتمد علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول أخرى بالمثل وفق القوانين والتشريعات والمعاهدات الدولية".
وأكد على أن ما يجري الآن في خارجية حكومة الوفاق من تولي المناصب القيادية -كسفراء وقائمين بأعمال- من المحسوبين على تيار متشدد أو مليشيات أو متهمين بقضايا مخلة للشرف هو استخفاف بكرامة الليبيين ووسيلة لتبرير سرقة أموالهم عن طريق هذا العمل العبثي.
وأشار إلى أن وزارة الخارجية بحكومة الوفاق حولت السفارات في الخارج إلى غطاء سياسي لهؤلاء المطلوبين سواء في تهريب الأموال أو السلاح أو المرتزقة "إنها أحد أوكار الإرهاب".
وشدد البحباح على أن تعدد مبادرات الطرف الآخر الداعم للمليشيات –حكومة الوفاق غير الدستورية- وعلى رأسهم خالد المشري (القيادي الإخواني رئيس مجلس الدولة الاستشاري غير الدستوري) وفايز السراج (رئيس الحكومة)، هي نوع من المناورة والتكتيك لكسب الوقت ومعرفة ما يفكر به الخصم.
ولفت إلى أن هذه المبادرات تمثل من وراءهم من دول راعية للإرهاب، ولن تقدم بالضرورة تنازلات فهي تسعى لتحقيق مكاسب وليست لافتقادها.
الإصلاح التشريعي
وقال البحباح إن على الجيش الوطني القضاء على الإرهاب والمليشيات للوصول بليبيا إلى حكومة وحدة وطنية ودستور جديد وانتخابات وتشريعات انتخابية جديدة مع تحرير العاصمة.
وانتقد أي محاولة إصلاح سياسي أو تشريعي مع بقاء حكومة المليشيات قائلا: "مصيرها الفشل"، موضحا أن لجنة صياغة الدستور عبثية في بلد أوضاعه السياسية والاجتماعية والأمنية كارثية.
واختتم البحباح متسائلا "أي دستور لبلد شعبها بين مهجر ونازح، وكوادره طريدة أو في المعتقلات وتتحكم في مصيره تنظيمات إرهابية وعصابات إجرامية، ومصيره يتقرر في مؤتمرات دولية ومندوب أممي يقيم في أوضاعه ويدرجها أمام مجلس الأمن الدولي وأمواله تنهب ومؤسساته تدمر".
وتقرر عقد مؤتمر للدول المعنية بالشأن الليبي في برلين بإعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في أغسطس/آب الماضي عزم بلادها عقد لقاء دولي من أجل استقرار ليبيا الذي وصفته بالمهم لمستقبل المنطقة، داعية إلى ضرورة توحيد موقف أوروبي بشأن الأزمة الليبية وتقديم الدعم الدولي لعمل البعثة الأممية للدعم في ليبيا لجمع اللاعبين الإقليميين والدوليين وتوحيد رؤيتهم تجاه ملفات منع تدفق الأسلحة إلى ليبيا والمحافظة على توحيد المؤسسة الوطنية للنفط إضافة لملف الهجرة.
وفي إطار التحضير استضافت برلين في 17 سبتمبر/أيلول الماضي اجتماعا دوليا حول ليبيا بمشاركة أطراف دولية وإقليمية، إلى جانب تمثيل جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي إلى ليبيا "غسان سلامة" وركز المؤتمر على محاولة بلورة حلول توافقية لإنهاء الأزمة عبر تسوية سياسية فاعلة.
وفي 29 سبتمبر/أيلول عقد اجتماع وزاري خاص بليبيا على هامش اجتماعات الجمعية العامة بالأمم المتحدة حضره وزراء وممثلو العديد من الدول، وذلك على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحضور الأمين العام أنطونيو جوتيريس، وممثله الخاص في ليبيا غسان سلامة.
وصدر عن المجتمعين بيان أكدوا فيه ضرورة استئناف العملية السياسية استنادا إلى مبادئ باريس وباليرمو وأبوظبي المتفق عليها، وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ذات مصداقية، معبرين عن التزامهم بالعمل بشكل بنّاء من أجل نجاح العملية السياسية، بما في ذلك مؤتمر برلين.