بغض النظر عن مدى استمرار هذه الانتفاضة لتحقق أهدافها من عدمه.. إلا أن الكلمة للمرة الأولى للشارع.
للمرة الأولى نشاهد نخبة لبنان السياسية مرتبكة وعاجزة عن التكهن باتجاه الشارع الذي طالما قادته تلك النخبة وطالما كانت قادرة على امتصاص غضبه المتتالي على أداء حكوماته السابقة وصولا "لحكومة التسوية"، تلك الحكومات التي لم تولد يوما في لبنان ولادة طبيعية بل كانت تجد من يعرقل ولادتها بشتى المعيقات المنطلقة من أسس مذهبية وطائفية على الرغم من الجهود التي بذلت إقليميا لجمع الفرقاء كاتفاق الطائف الذي أفضى للدستور الذي يسير البلاد حتى اليوم والذي ارتضاه الشارع وتهرب من تطبيقه كثير من القوى السياسية..
بغض النظر عن مدى استمرار هذه الانتفاضة لتحقق أهدافها من عدمه.. إلا أن الكلمة للمرة الأولى للشارع الذي كانت تقوده تلك النخب طوال عمرها.
اليوم.. القيادة للشارع المُتَّحد خلف مطلب إزاحة النخبة الحاكمة التي لم تف بوعودها ولم تقدم ما يرضي الشارع من نوايا حسنة لمحاربة الفساد بل أسهمت في تكريسه.. وعدت بتذليل صعوبات الحياة اقتصاديا لكنها لم تتجاوز تذليل الصعوبات الخاصة بها والبحث عن امتيازات خاصة على حساب المواطن.
إصرار الشارع على الضغط في ازدياد مضطرد -لاسيما بعد خطابات بعض الزعماء السياسيين ومواقف القوى السياسية التي تتصف بالارتباك والحرج الشديدين- وهو خير دليل على خروج الأمر من سيطرة القوى السياسية.
ولعل أكثر ما يثير السخرية ما تفوه به حسن نصر الله في محاولات يائسة لتمرير تهديدات تتصف بالمحاسبة -على طريقته المليشياوية- لكل من يفكر في الانسحاب من الحكومة فجاءته الصفعات بسرعة الضوء من داخل حاضنته الشعبية ومن داخل حواضن حلفائه السياسيين.. الذين انتفضوا جميعا ورددوا شعارات الرفض والاستهجان مطالبين برحيل الجميع بما فيهم نصر الله الذي لا يزال يظن أنه يستطيع أن يضغط على السياسيين في سبيل مواصلة تحكمه بحلفائه في الرئاسة والحكومة.. لكن تعابير وجهه خانته وهو يستجدي الكلمات لتسعفه في الاختباء خلفها.. ولم ينطق سوى بما سيعجل بخسارته لكل ما يحلم به.
كل السيناريوهات مفتوحة.. ولا يزال هناك من يرى قدرة لدى القوى السياسية على لملمة الأوراق التي تبعثرت مستشهدين بمناسبات مشابهة في أعوام خلت لم يقدر الشارع فيها على تغيير شيء.. لكن الفرق هذه المرة أن اللبنانيين متحدون تحت راية لبنان التي لم يشاهَد غيرها في ساحات التظاهر في بيروت وصور وغيرها
يدرك نصر الله أن انفراط عقد الشارع وخاصة حاضنته الشعبية ستكون له آثاره المباشرة عليه وعلى حزبه ورعاته في إيران التي عاد منها محملا بأجندة محددة "كانت" تهدف لتثبيت أقدام إيران التي تترنح اليوم بفعل الضربات التي تتلقاها إقليميا ودوليا.. لذلك وبدلا من محاولة التماهي مع الشارع الغاضب لم يجد بدا من التمسك بما هو مكلف به، وأرغى وأزبد مهددا من سيتخلى عنه بتغيير المعادلات من الشارع.
كل السيناريوهات مفتوحة.. ولا يزال هناك من يرى قدرة لدى القوى السياسية على لملمة الأوراق التي تبعثرت، مستشهدين بمناسبات مشابهة في أعوام خلت لم يقدر الشارع فيها على تغيير شيء.. لكن الفرق هذه المرة أن اللبنانيين متحدون تحت راية لبنان التي لم يشاهَد غيرها في ساحات التظاهر في بيروت وصور وغيرها.
الأمر الوحيد الذي قد يهدد مسألة أن يلفظ الشارع الطائفية المقيتة للأبد هو أن يصدق وعود النخبة الحاكمة -التي ربما قريبا لن تعود كذلك- ويمنحه مزيدا من الوقت، وهذا أمر بات وراء ظهور اللبنانيين الذين هادنوا نخبهم السياسية سنوات طويلة منذ الفترة التي تلت الحرب الأهلية مرورا باتفاق الطائف حفاظا على بلادهم وحياتهم ومستقبل أبنائهم؛ إلا أن قدرتهم على احتمال "الوعود الكاذبة" انتهت وفاض بهم الكيل.. ومن حقه أن يحصل على حكومة تكنوقراط تعبر عن طموحه.
السيناريو الذي نأمل أن لا يحدث هو سيناريو الأعمال التخريبية الإرهابية المحبوكة ولبنان في قلب جغرافية ملتهبة أصلا.. ولديه تاريخ طويل مرير من المعاناة من آثار الإرهاب العقدي والتصفيات السياسية الجبانة.
المهم أن الشارع اللبناني يفاجئ العالم هذه الأيام، فهل سيواصل مفاجآته ويلفظ طائفيته البغيضة للأبد؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة