العمل الإنساني ليس مجرد وظيفة.. أوراق ناصعة من سجل "أطباء بلا حدود"

نشرت منظمة أطباء بلا حدود جانبا من مذكرات إعجاز زارين، أحد مسؤولي مشاريعها، يروي فيها بعض التفاصيل المثيرة من مواقف صادفته خلال عمله.
وقال إعجاز زارين: "بدأت العمل مع أطباء بلا حدود كمسؤول ارتباط في عام 2009، وفي عام 2011 أُوكِلت إلي مهمة مساعد المنسق الميداني، ولاحقاً نائب منسق المشروع في عام 2017، وأول يوم للمرء في العمل الجديد قد يكون أكثر يوم يبقى في ذاكرتك وربما أصعب يوم في مسيرة عملك.. حضرت الاجتماعات التوجيهية في مكتب التنسيق وفي مشروع تيمرغارا بباكستان، وأُعطيتُ مفكرة كي أستخدمها لأنشطتي اليومية لعام 2009؛ وقد استمر عُرف إعطاء المفكرات الجديدة سنوياً ولدي مجموعة منها الآن".
وأضاف: "لم أفكر حينها أن هذا العمل سيكون رحلة طويلة، وقد دفعني الشغف بالعمل الإنساني للاستمرار طيلة هذه الأعوام.. هو شغف نما ورسخ.. فالعمل الإنساني ليس مجرد وظيفة بل هو مهمة.. في غالب الأحيان لا يكون هناك فرق واضح بين العمل وبقية جوانب الحياة – حبي للعمل، ثم كوني متاحاً معظم الوقت خلال السنوات الأربعة أو الخمسة الأولى من عملي في المشروع على مدار 24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع تبعاً لما يطرأ من احتياجات.. تشارف هذه الرحلة على نهايتها الآن، وتبقى معي منها ذكريات عديدة غامرة مع آلاف الزملاء من الكادر المحلي ومئات الزملاء من الكادر الدولي الذين خدموا مجتمع لوار دير".
وتابع: من الذكريات العديدة التي أذكرها معاناة أفراد الطاقم الدولي في لبس القميص والسروال التقليديين؛ ونسيان الزملاء وأفراد المجتمع المصافحة بعد العناق ثم الشعور بالإحراج من ذلك (في الثقافة المحلية تُعدُّ المصافحة واجبة بعد العناق)؛ وتنظيم حصص تعليم اللغة البشتونية مقابل حصص تعليم اللغة الفرنسية. أذكر مرة أني كنت عائداً من اجتماع في مكتب إسلام أباد وقد قضيت الليلة على الطريق بين إسلام أباد وتيمرغارا مع زميل دولي، كريس، والسائق، بعد أن أزالت الفيضانات الطرقات والجسور.. كما باءت بالفشل كل محاولاتنا للتقدم نحو المشروع أو العودة إلى العاصمة ولم نتمكن من فعل أي منها.
وواصل: من الصعب انتقاء بضعة ذكريات من بين الكثير من اللحظات الملهمة واللحظات الصعبة التي عشتها مع زملائي.. في عام 2016 وأثناء استجابة طارئة سافرت مع 10 من الزملاء المحليين مسافة أربع إلى خمس ساعات لتوزيع الإغاثة غير الغذائية.. وصلنا المنطقة في المساء وكان الجو ماطراً وشديد البرودة.
وبالرغم من بحثنا لم نتمكن سوى من إيجاد غرفة واحدة في فندق محلي لقضاء الليل وكان فيها عدد محدود من الأسرَّة والبطانيات، بدون كهرباء، والقليل من الماء المتجمد.. كان أفراد الفريق يحضّرون ويخططون لليوم التالي مستخدمين ضوء هواتفهم المحمولة.. وبالرغم من تلك الليلة الشاقة قليلة النوم وقليلة الطعام فقد أدى الفريق عملاً رائعاً في اليوم التالي ووزع أكثر من 300 سلة على الناس المتضررين من الفيضانات والزلزال.. وتبين هذه القصة وغيرها الكثير من القصص المماثلة مدى التزام زملائنا الموهوبين فهم يبقون المصدر الرئيسي لحماسي وبوصلة توجهي في أطباء بلا حدود، ذلك ما ورد على لسان إعجاز زارين.
وأكمل: "كانت مشاعري مختلطة عندما علمت بخبر تسليم المشروع.. وأعتقد أن المقولة القديمة: إن كل الأشياء الجيدة ستبلغ نهايتها يوماً ما، صحيحة. سنفتقد كل تلك الأوقات التي قضيناها في خدمة المجتمع وبرفقة زملائنا. وسنذكر طويلاً العمل الدؤوب والأوقات السعيدة التي تقاسمناها.. والآن، مع انتهاء عقود الموظفين وعودة الأصدقاء إلى ديارهم، وتحميل الشاحنات، وإحكام إغلاق النوافذ وإطفاء الأنوار للمرة الأخيرة أعتقد أننا، وبالرغم من مقاصدنا الحسنة، لا يمكننا إصلاح العالم كما لا يمكننا إصلاح جميع المشاكل التي واجهتنا خلال السنين. لكنني واثق أننا هنا في تيمرغارا قد بذلنا أفضل ما عندنا".
وختم إعجاز زارين مذكراته بالقول: "سنواتي الإحدى عشرة والنصف مع أطباء بلا حدود علمتني ما يلي: حاول أن تترك المكان الذي تحل فيه أفضل بقليل مما وجدته عليه. وإذا ما استطعت فعل ذلك، إذا ما ذهبت إلى بيتي وأسرتي وشاركتهم سعادتي بمعرفتي أني حققت فارقاً صغيراً في هذا العالم، وإذا ما تمكن الشخص الذي سيأتي بعدي من ترك الأمور أفضل بقليل ثم الشخص الذي يليه.. تعرفون كيف سيكون الوضع".