بعض الحلول السياسية، ومعها قرارات الحروب، قد تكون مؤلمة، لكنها ضرورية، بالشكل الذي يجعل إبقاءها دونما حل.
حديث الناس وشغلهم الشاغل قضية تهديد إيران ومتطرفيها وإصرارهم على التصعيد والتأزيم، رغم أن الجميع وأولهم الإيرانيون، يعلمون أن أي اشتباك سواء كان محدودًا أو واسعاً، فسوف يكون قطعًا في مصلحة أمريكا، ولن تكون إيران بعده كإيران قبله. ربما أن الرئيس ترامب لا يريد الحرب، ويسعى إلى تفاديها قدر الإمكان، إلا أن ذلك لا يعني مطلقًا أنه إذا تجاوزت الاحتكاكات الهامش المسموح به، فإنه سيتخذ القرار الصعب، ربما مجبراً، لكنه سيتخذه. وكل من ينصح الإيرانيين بأن الرئيس ترامب يخشى على مستقبله السياسي في حال أنه اتجه إلى الحرب، فإن تفريطه أيضًا بسمعة ومنعة ومصالح الولايات المتحدة، ستبعده حتمًا عن الفوز بفترة ثانية.
مشكلة المؤدلجين العقائديين في القضايا السياسية أنهم لا يقرؤون الواقع بعقلانية وتجرد، ولكنهم يصرون على ما يجب أن يكون حسب ما تمليه عقائدهم؛ وغالبا ما تكون نهايتهم غير العقلانية كارثية. طالبان هم أقرب مثال لنظام الولي الفقيه في إيران؛ فقد كانت الولايات المتحدة تطالبهم بتسليم ابن لادن ليتفادوا الحرب، لكن مجلس شوراهم، ومن يسمونهم علماء، كانوا لا يرون أن تسليمهم لهذا (المجاهد) يجوز شرعًا، لأنهم يتعاملون في السياسة حسب مقتضيات النصوص، لا متطلبات المصالح، فكابروا وعاندوا، وكانت النهاية أن أخرجوهم من كابل مهزومين يجرون أذيال الهزيمة التي كان بإمكانهم تفاديها لو كانوا عقلانيين، ولم ينجدهم فقهاؤهم من ذلك المصير.
صحيح أن بعض الحلول السياسية، ومعها قرارات الحروب، قد تكون مؤلمة، لكنها ضرورية، بالشكل الذي يجعل إبقاءها دونما حل، قد تكون تداعياته أخطر وبكثير من مواجهتها الآن
وإصرار علي خامنئي على عدم الرضوخ للعقلانية، والمكابرة والعناد، يجعل ليلة ملالي إيران ستكون حتمًا كبارحة طالبان، وإن اختلف هؤلاء وأولئك في التوجه العقدي، إلا أنهم يتفقون سياسياً في الوسائل الاستدلالية في التعامل مع النصوص.
المملكة والإمارات والبحرين تشكل بالنسبة للساسة الأمريكيين بُعدًا حيويًّا ملتصقا بالمصالح الأمريكية، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا والصين، وساسة اليوم تُوجههم مصالح بلدانهم، والجميع تشكل لهم منطقة الخليج العربي منطقة ترتبط ارتباطًا حميميًّا بالاقتصاد العالمي، ولن يسمحوا لا لإيران ولا لغيرها أن يعبثوا بأمن الملاحة فيه، وليس أدل على ما أقول من قراءة صدام الساذجة لأوضاع الخليج وغزوه للكويت على ضوء هذه القراءة، فكان قرار الغزو بمثابة قرار إعدام له، حكم فيه على نفسه.
والاقتصاد الإيراني اليوم، ونتيجة للحصار الذي استمر لعقود، أنهك وما زال ينهك إيران، الأمر الذي جعل الأوضاع الإيرانية أشبه ما تكون بمبنى يؤول مع مرور الزمن للانهيار، وكل ما يحتاج إليه هزة أرضية بسيطة، وإذا هو كومة ركام.
صحيح أن بعض الحلول السياسية، ومعها قرارات الحروب، قد تكون مؤلمة، لكنها ضرورية، بالشكل الذي يجعل إبقاءها دونما حل، قد تكون تداعياته أخطر وبكثير من مواجهتها الآن؛ ولعل محاولة الرئيس أوباما التعامل مع الغول الإيراني عن طريق احتوائه لا مواجهته، هو الذي جعل العالم بأكمله اليوم في هذا الموقف.
ومهما يكن الأمر، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}، فربما يكون خطأ الرئيس الآفل أوباما بتوقيعه تلك الاتفاقية الغبية، هو الذي سيكون سببًا للقضاء على الغول الإيراني قضاء تامًّا، والقضاء بالتالي على الإرهاب قضاء مبرماً.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة