تعد الوثيقة بذرة أمل تعزز نهج الدولة القائم على الانفتاح والتعددية الثقافية والعيش السلمي المشترك في ظل القيادة الرشيدة
في يوم الجمعة الماضي ظهر علينا متطرّف أسترالي يُدعى برينتون تارنت (28 عامًا) بعمل إرهابي استهدف مسجد النور في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا، وذلك أثناء تأدية المصلين لشعائر صلاة الجمعة، وخلف هذا الهجوم 50 قتيلا وعشرات المصابين. لقد أحدث هذا العمل الإرهابي صدى واسعا في كل أنحاء العالم، لا سيما أن نيوزيلندا تصنف بأنها دولة هادئة وملاذ آمن للاجئين من الجنسيات المختلفة، هذا في الوقت الذي نددت فيه دول العالم بالهجوم الدامي والذي تم الإجماع شرقا وغربا على كونه عملا إرهابيا وجريمة كراهية ضد البشرية والمسلمين والمهاجرين بشكل عام، نتجت عن موجة الخوف من الإسلام المتصاعدة في الغرب خلال العقدين الماضيين.
ولم يأتِ هذا الحادث من فراغ بل هو جزء من موجة صعود الشعبوية في الغرب في ظل الخوف من المهاجرين واللاجئين، والتي كانت شماعة رفعتها أحزاب اليمين المتطرف في دول كثيرة من أجل الحصول على مكاسب انتخابية دون الأخذ في الاعتبار بمآلات هذه الشعارات التي أدت في النهاية إلى إراقة كثير من الدماء البريئة.
وثيقة الأخوة الإنسانية وثيقة للمحبة والأخوة للجميع، ومسار سلام لمجتمعات آمنة. وهي رسالة من دار زايد من أجل رعاية الحوار والنقاش بين مختلف الأديان واحترام الآخر ونشر التسامح كونه فضيلة وأسلوب حياة، وهو خطوة جديدة تضاف إلى تاريخ الإمارات الحافل بجهود دعم السلام
وفي ظل صعود اليمين المتطرف في بعض الدول الغربية، يبدو أن ما يعزز من موقفها المتطرف والمناهض للإسلام هي الجماعات التي تنسب الدين الإسلامي لها زوراً كجماعة الإخوان المسلمين، والتي تعد النواة لتنظيمات إرهابية أشد دموية كداعش والقاعدة، وهي التي تدعو لتنفيذ الهجمات الانتحارية في الغرب. ومن هنا يبدو الخطر على العالم جليا من الجماعات الإسلامية المتطرفة التي ترفع رايات زائفة تحت اسم "الجهاد" لتحقيق أغراض خبيثة، هذا إلى جانب الجماعات المضادة بقيادة اليمين المتطرف التي تدعو لطرد المهاجرين، بل ويصل الأمر للقتل مثلما حدث في نيوزيلندا وقبلها في كندا وبريطانيا وغيرها من حوادث.
ولكن وسط هذا الصراع الدموي، تبرز وثيقة الأخوة الإنسانية التي تم الإعلان عنها في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، في شهر فبراير الماضي، التي وقّع عليها رمزين دينيين كبيرين في العالم؛ هما الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، والبابا فرنسيس الأول بابا الكنيسة الكاثوليكية، كبارقة أمل للبشرية للعيش السلمي ونبذ جميع أشكال التعصب والتطرف.
وجاءت الوثيقة كنموذج تسامح يحتذى به من أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي التي سمت عام 2019 عام التسامح، حيث أكدت الوثيقة أن العدل الذي يستند إلى الرحمة هو السبيل الذي يجب اتباعه للوصول إلى حياة كريمة، من حق كل إنسان أن يعيش في ظلها، وأن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الجميع يسهم بدوره في حل كثير من الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية.
وهذه الوثيقة تؤكد طهارة الدين من الآثام التي تُرتكب باسمه وتستغل الروحانيات في شحن النفوس باتجاه إلغاء الآخر أو قتله باعتبارهما طريقاً إلى حفظ الذات، وهو الأمر الذي ينسف الشعارات الزائفة التي رفعها الإرهابي قبل تنفيذ جريمته النكراء بزعم الحفاظ على المجتمعات والقيم الغربية في وجه التمدد الإسلامي.
كما أن وثيقة الأخوة الإنسانية وثيقة للمحبة والأخوة للجميع، ومسار سلام لمجتمعات آمنة. وهي رسالة من دار زايد من أجل رعاية الحوار والنقاش بين مختلف الأديان واحترام الآخر ونشر التسامح كونه فضيلة وأسلوب حياة، وهو خطوة جديدة تضاف إلى تاريخ الإمارات الحافل بجهود دعم السلام ونشر مبادئ الإخاء والتعايش السلمي في العالم أجمع.
تعد الوثيقة بذرة أمل تعزز نهج الدولة القائم على الانفتاح والتعددية الثقافية والعيش السلمي المشترك في ظل القيادة الرشيدة، حتى باتت الإمارات نموذجاً يحتذى به على مستوى العالم في التسامح والانفتاح والتقارب الإنساني سيراً على نهج الآباء المؤسسين الذين غرسوا هذه القيم السامية والمبادئ الأصيلة في نفس كل مواطن ومقيم.
وفي الوقت ذاته، فإن التسامح والاحترام وقبول الآخر هي ليست مجرد شعارات رنانة نرفعها فقط، ولكنها أسلوب حياة نعيشه ونلمسه في دولة الإمارات، مستلهمين إرث وقيم ومسيرة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، التي سطرها التاريخ بحروف من نور، ونحن نتتبع سيرته العطرة في هذا المجال. كما نفتخر بقيادتنا الرشيدة وبانتمائنا لهذا الوطن الذي يمثل بوتقة تعايش حقيقية ومثالا يحتذى به في هذا المجال.
إن دولة الإمارات العربية المتحدة تحتضن قرابة 200 جنسية من مختلف أنحاء العالم، وهم يعيشون في انسجام كامل وتناغم تام تسود بينهم روح المحبة والتسامح والعيش المشترك، ولم تشهد الدولة أي أعمال من شأنها تكدير صفوة هذه العلاقة المتميزة بين المواطنين والمقيمين ولا حتى بين المقيمين من جنسيات مختلفة، حتى أضحت دولة الإمارات نموذجاً عالمياً للسعادة والإيجابية، وهو الأمر الذي جعل الدولة تحتل المركز الثالث عالميا في مؤشر التسامح عام 2016، الصادر عن معهد التنمية الإدارية بسويسرا.
ويبقى القول إن هناك بذرة للخلاص غرستها أبوظبي، وعلى العالم أن يدعمها من أجل طرح الخير والسلام والتعايش والتسامح وهو الهدف الأسمى للبشرية جمعاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة