بالوثائق.. "العين الإخبارية" تكشف فساد "صنع الله" في نفط ليبيا
8 أعوام جثم خلالها مصطفى صنع الله على صدر الليبيين كرئيس غير شرعي للمؤسسة الوطنية للنفط، أدار فيها المؤسسة بالفساد والعمالة للخارج.
الشعب الليبي الذي تنتج بلاده وفقا لتقديرات صنع الله نحو مليون برميل من النفط والغاز يوميا، ما يزال يعاني من الفقر وارتفاع أسعار الوقود والفساد.
من تعيين غير شرعي إلى التهرب من الأجهزة الرقابية للفساد المالي والإداري، ثم دعم الإرهاب، والاستقواء بالأجنبي، كانت رحلة صنع الله الذي لم يكتف بـ8 أعوام أدار فيها القطاع كإرث شخصي، وما يزال يتمسك بالسلطة طامعا في المزيد.
"العين الإخبارية" ترصد خلال هذا التقرير بـ"الوثائق" كيف أدار صنع الله، بشكل غير شرعي المؤسسة، واستخدم أرصدتها ينفق منها كيف يشتاء دون أدنى توزيع عادل للعائدات التي تقدر بمليارات الدولارات.
في البداية تم تكليف مصطفى صنع الله برئاسة المؤسسة الوطنية للنفط في 20 مايو/أيار 2014، من وكيل وزارة النفط والغاز المكلف بمهام تسيير الوزارة عمر علي الشكماك.
التكليف الذي جاء بشكل غير شرعي وفق الوثيقة التالية، لأن الشكماك ذاته مكلف بتسيير مهام الوزارة، وبحسب للقانون الليبي، فليس من حقه تغيير رئيس أهم مؤسسة اقتصادية في ليبيا، وهو ما لاقى استهجانا كبيرا وقتها، إلا أن صنع الله استفاد من صعود تنظيم الإخوان الذي احتمى به للبقاء في السلطة.
الاستقواء بالخارج
وصنع الله، المقال عام 2009 من شركة راس لانوف باتهامه بالتآمر مع آخرين والتواصل مع جهات أجنبية لتحقيق مصالح شخصية والتآمر على مجلس إدارة الشركة، حاول البقاء في منصبه من خلال التواصل مع الجهات الأجنبية وعين عددا من المسؤولين الأجانب مستشارين.
وظل صنع الله يتصرف في القطاع بشكل أحادي، ولم يسلم أحد من الفساد، خاصة قطاع التعيينات، والذي شهد تعيين عدد من الموالين للتنظيمات المتطرفة.
وانتقد صنع الله طريقة اعتماده للتعيينات خاصة، بعدما تم الكشف عن وجود تعيينات وفقا للعائلات تضم 5 أخوة، جميعهم إما حاصل على الثانوية العامة فقط إما بدون مؤهل، وهو ما كشفته الوثيقة الخاصة بالتعيينات في مرسى الحريقة النفطي بمدينة طبرق بشركة الخليج العربي.
رفض التعامل مع الأجهزة الرقابية
ومن خلال الاستقواء بالدول الخارجية رأى صنع الله في نفسه الحصانة، ورفض أكثر من مرة محاولات إقالته واستجلب الدعم الدولي.
ولم يكتف صنع الله بهذا القدر، بل رفض أكثر من مرة التعامل مع الأجهزة الرقابية، وأمر الشركات النفطية التابعة له بعدم التعامل معها، بل اختار مبدأ المفاضلة برفض التعامل مع بعضها، والتعامل مع الأخرى.
وبحسب الوثيقة ذات الرقم الإشاري 1037 لسنة 2021 فإن مدير مكتب صنع الله، فرج العبيدي خاطب رئيس مجلس إدارة شركة تقنية ليبيا للأعمال الهندسية، فإن صنع الله لم يأذن سوى لجهاز الرقابة الإدارية وإدارتي التفتيش المالي والإنتاجي بالاطلاع على المستندات الخاصة بالشركة دون غيرها، رغم كون ليبيا بها عدة جهات رقابية أخرى مثل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وديوان المحاسبة.
وطالبت الأجهزة الرقابية الليبية بإزاحة صنع الله من منصبه مرارا، خاصة أنه وصل إليه بشكل غير قانوني.
وطالب وكيل هيئة الرقابة خالد ضو في خطاب يحمل الرقم الإشاري 12-44-2022 بتاريخ 30 أغسطس/آب 2021، رئيس حكومة الوحدة حينها بتغيير مجلس إدارة المؤسسة، لصدور قرار تعيينه من وكيل وزارة مكلف وعدم تغيير المجلس رغم العديد من المخالفات الإدارية والقانونية.
وأشار في خطابه إلى عدم تعاون صنع الله مع مجلس النواب، وهو ما اشتكى منه بعضهم، ومخالفته صلاحيات منصبه والتعارض مع قرارات وزير النفط بالحكومة.
فساد متلاحق
الأجهزة الرقابية وعلى رأسها ديوان المحاسبة، اتهمت صنع الله بالعديد من قضايا الفساد، ولا يكاد يخلو تقرير للديوان من توجيه أصابع الاتهام لصنع الله.
وفي تقرير ديوان المحاسبة الأخير لعام 2022، فإن المؤسسـة في حسابها الختامي لم تعـد مذكرات تسـوية المصرف لعـدد من الحسابات المصرفي، بالمخالفة لنص المادة "42" من اللائحة المالية للمؤسسة الوطنية للنفط.
وبلغت مصروفات المؤسسة نحو 3 مليارات و781 مليونا و583 آلاف دينار ليبي من أصل 3 مليارات و172 مليونا في الربع الأول من العام، رغم توقف الإنتاج مرارا والذي يفترض معه انخفاض المصاريف التشغيلية.
وأكد الديوان وجود خلل في المنظومة المالية للمؤسسة أدى إلى ظهـور مبـالغ ماليـة كبيرة مخصـومة مـن المصـرف، ولـم تثبت بالـدفاتر وصـلت إلى مـا قيمته (1,033,859) دينارا ليبييا بجانب وجود حسابات مصرفية تتم إدارتها من قبل الإدارة العامة للتسويق الدولي لم تدرج في الحسابات والمخولين بالتوقيع عليها من الإدارة غير موجودين بالكشوفات إلى جانب مخالفات أخرى ستنشرها العين الإخبارية بالوثائق في تقرير لاحق.
دعم الإرهاب
صنع الله حاول الحفاظ على منصبه بشتى الطرق فلم يجد غضاضة في دعم الجماعات الإرهابية مستغلا الطيران النفطي في نقل المصابين منهم للعلاج بالخارج.
وتثبت وثائق وصلت لـ"العين الإخبارية" أن صنع الله كان أذن للطيران النفطي بشكل مكثف، بنقل جرحى مجهولين تابعين لجماعات مسلحة مختلفة سقطوا في المواجهات ضد الجيش في طرابلس، في حين رفض طالبا مماثلا لنقل جنود الجيش للعلاج بالخارج، معتذرا بأنه يجب أن يقف قطاع النفط على الحياد، وهو ما تثبته الوثيقتان التاليتان من خطاب فايز السراج لمؤسسة النفط بتوفير طائرات لنقل الجرحى وخطاب آخر لمدير مكتب صنع الله لشركة الطيران النفطي بتنفيذ ذلك.
صفقة صنع الله والسراج
وموقف صنع الله يأتي نتيجة صفقة أجراها عام 2017، مع رئيس حكومة الوفاق غير الدستورية بتقاسم مهام وزارة النفط مع المؤسسة، ونقل بعض اختصاصات الوزارة إليها بالمخالفة للقانون، في محاولة لاستمالة صنع الله إلى صف الحكومة، وفقا للوثيقة التالية.
وبالفعل، سمح صنع الله للحكومة بالتوغل في المال الليبي من خلال اعتماد الاستثمارات الأجنبية في القطاع وتسعير النفط وغيرها من النقاط الواردة في الوثائق المرفقة بالتقرير، والتي لاقت اعتراضا من عدد من المسؤولين، من بينهم علي القطراني عضو المجلس الرئاسي للحكومة ذاتها في حينه، إذ إن اختصاصات وزارة النفط حددها قانون ولا يجوز توزيعها على آخرين وفقا لقرار إداري.
aXA6IDEzLjU4LjQ1LjIzOCA= جزيرة ام اند امز