التدمير أسهل من البناء، والتخريب ونشر الفوضى أسرع من التنمية وصناعة الإنجاز، وانطلاقاً من هذه المساحة تنتشر العصابات في أوقات الأزمات
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، ثم عودة ما سمي بالمجاهدين العرب من أفغانستان، وعصابات الإرهاب الدموية مستمرة في التكاثر والانتشار في عالمنا العربي والعالم بأسره، والانتقال من بقعة إلى أخرى، محيلة بلادا بأكملها إلى حمامات من الدم لا يتوقف، ومهما تعدّدت أسماؤها، ومهما اختلفت تنظيماتها وأشكالها المعلنة، إلا أن أفعالها التي تمثل شرا محضا على الأرض تبقى مهدِّدَة للاستقرار الإنساني والتطور الحضاري في العالم بأسره.
ما يفترض أننا تعلمناه خلال هذه السنوات سواء كانت هذه الجماعات المتطرفة تنشأ من تلقاء نفسها أو أنها أدوات موجّهة لقوى أكبر تحرّكها خدمة لمصالحها في المنطقة، فهو أن الحزم وحده هو العلاج الناجع لاجتثاثها من جذورها، إلى جانب العمل على تطهير المجتمع من أفكارها.
التدمير أسهل من البناء، والتخريب ونشر الفوضى أسرع من التنمية وصناعة الإنجاز، وانطلاقا من هذه المساحة تنتشر هذه العصابات في أوقات الأزمات وأزمنة الفوضى، تستغل هشاشة الأنظمة السياسية وضعف الاستقرار، وتتسرب عبر مواضع الحروب والفتن لتنتشر وتتكاثر، تساهم في ذلك فداحة الأفعال الكارثية التي تقدم عليها، وما يترتب عليها من النتائج التي تبث الرعب في قلوب العالمين تنكّل بالشيوخ والعجائز، وتفتك بالأطفال والنسوة والرجال دون تفرقة بينهم، ذبح وقتل وتهجير جماعي للناس على اختلاف شرائحهم، وتفنّن في تعذيب البشر عبر فرض أنظمة اجتماعية قاسية وظروف حياتية رثّة تنسف بنية الأمان، وتذهب بالمجتمعات إلى التخلف، محكمين بذلك السيطرة على مفاصل الحياة.
أكبر من الحصر والتوقع ما قامت به القاعدة وداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية التي عاثت قتلاً وتخريباً على مدار خمسة وعشرين عاما مضت، ولعلّ هناك شواهد لا تزال حية في كل من العراق واليمن وسوريا، مناطق بأسرها أزيلت، آثار إنسانية دُمّرت، شرائح مجتمعية أُبيدت منها أعداد هائلة وهُّجر الأهالي إلى غير رجعة في عدد من المناطق الجغرافية. وإن قُتل زعيم أو أُبيد قائد ميداني لهذه الجماعات، فإنها تعود لتتشكل مرة أخرى في بقعة أخرى متخذة ثوبا جديدا واسما جديدا، لكن الفعل ذاته لا يتبدل، وما يفترض أننا تعلمناه خلال هذه السنوات سواء كانت هذه الجماعات المتطرفة تنشأ من تلقاء نفسها أو أنها أدوات موجّهة لقوى أكبر تحرّكها خدمة لمصالحها في المنطقة، فهو أن الحزم وحده هو العلاج الناجع لاجتثاثها من جذورها، إلى جانب العمل على تطهير المجتمع من أفكارها.
ربما لن ينتهي الإرهاب كما نأمل، لكن تقييده ودحره، والعمل على تحجيم آثاره الفكرية التي تؤثر في بعض الجهلة والأغرار ينبغي أن تكون جزءا مهما في الحرب عليه، وإلى جوار الحرب الأمنية ينبغي أن ترافقها بالتوازي حرب فكرية تضطلع بها الحكومات، ويجتهد الأفراد من خلالها في بث الوعي المجتمعي لحماية الناشئة من هذه الأفكار المدمرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة