"دقة" التونسية.. مدينة أثرية شاهدة على 5 حضارات (صور)
تتربع مدينة دقة الأثرية فوق ربوة في محافظة باجة التونسية شمال غربي البلاد، وتتميز بحصونها العتيقة.
تتخفى المدينة الساحرة وراء الحقول والضيعات الزراعية، لتلوح بيدها بين المروج وتعبر عن شموخها وصمودها رغم مرور آلاف السنين.
المدينة الواقعة في محافظة باجة التي كانت تسمى بمطمورة روما، لما تحمله أرضها الخصبة من خيرات، ما زالت تحافظ على شكلها رغم مرور 2500 سنة على إنشائها.
"دقة"، هي مدينة تروي إنجازات السلف وتاريخ بلد عمره 3 آلاف سنة من الحضارة، وتعد أكثر المناطق احتفاظاً بمعالمها الأثرية في شمال أفريقيا.
مرت على هذه المدينة حضارات متعددة، في كل زاوية منها توجد آثار من حضارات عدة من البربرية والنوميدية والبونية والرومانية والبيزنطية.
أُدْرِجت هذه المدينة الأثرية ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة (يونسكو) سنة 1997، باعتبارها أفضل مدينة رومانية محفوظة في شمال أفريقيا.
تتميّز المدينة بامتدادها على مسافة 70 هكتارا، وتستمد مدينة دقة اسمها الحالي من اسمها الأمازيغي القديم وهو تُوغًّا ويعني اسمها الجّبل الصّخري.
لقد توافرت لدقة كل المستلزمات الضروريّة لنشأة تجمع سكني قديم من موقع محصّن ذو وضعيّة دفاعيّة جيّدة، ومواد بناء متوتفّرة وقريبة وعيون جارية وأرضا خصبة للزراعة.
"دقة" مدينة متكاملة لا ينقص معالمها سوى السقف فقط، فأي زائر يدخل إليها يرى جميع مكوناتها.
في مدخلها تجد بوابة كبيرة ثم يعترضك ساحة كبيرة وممرّات تؤدي إلى قوس النصر والحمامات العمومية (مخصصة للاستحمام)، وحمّامات ساخنة على طابقين ومكتبة، ثم يوجد ممر يؤدي إلى الحي السكني، حيث ما زال يحافظ على شكل المنازل الفخمة التي كانت مسكنا للأثرياء والحكام وأرضيتها مفروشة بالفسيفساء.
كما تضم هذه المدينة، معبد الكابيتول الذي كان يسكنه القيصر أو الحاكم ومعبد ماركير الذي شُيّد في نهاية القرن الثاني إضافة للمسرح الرّوماني وبعض المقابر الرومانية، كما تكتسب دقة 2000 نقيشة لوبيّة، بونيّة محدثة، إغريقيّة ولاتينيّة.
وفي كل زاوية من هذه المدينة الأثرية، توجد تماثيل مقطوعة الرأس. وتمثّل هذه التماثيل الأشخاص الذين عاشوا في تلك المدينة، وتتميز بكبر حجمها وبالرداء الأبيض الذي كان يرتديه الملوك ورجال المدينة.
أمّا المسرح الروماني فما زال يحافظ على شكله وتنظم فيه سنويا حفلات أوركسترالية، إضافة للمهرجان الصيفي "مهرجان دقة الدولي".
ويقع المسرح في مدخل المدينة الأثرية كانت تقام فيه المسرحيات والروايات والطقوس الدينيّة.
يتكوّن المسرح من 3 أجزاء هي المدارج والأوركسترا وخشبة المسرح ويتّسع لأكثر من 3000 متفرّج. ويحتوي على بعض المدارج للأغنياء. بُني سنة 168ميلاديًا في عهد الإمبراطورين "مارك أورال" و"لوقيوس فروس" على نفقة واحد من أثرياء دقة.
وخارج المدينة الأثرية، يوجد ضريح آتيبان بن أبتيمتاح، أحد أمراء نوميديا ويبلغ طوله 21 مترا.
ولعل ما يميز هذه المدينة لوحات الفسيفساء البديعة التي توجد في كل منزل أو معبد أو حمام، وتجسد هذه اللوحات ملامح الحياة اليومية من عبادة للآلهة واجتماعات الحكام، إضافة للعروض المسرحية.
مدينة محمية
وقال المؤرخ التونسي عبدالقادر المسيليني، إنّ ما جعل هذه المدينة صامدة إلى اليوم هي تموقعها وسط ضيعات زراعية، جعلها محميّة من الزّحف العمراني، عكس مدينة قرطاج وآثارها مثلا، التي نُهبت وتمّت إعادة بناءها أكثر من مرة، إضافة إلى البناءات المعمارية التي شيدت أغلبها على آثار مدفونة تحت الأرض.
وأكد في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أنّه تم اكتشاف هذه المدينة سنة 1631، ثم أصبحت منذ بداية القرن 18 من أهمّ المواقع الأثريّة التي يزورها علماء الآثار الأوروبيّون وتم نهب عديد النقائش دون اكتشاف ما يخفيه جوفها من آثار وفسيفساء.
وتابع: "لكن الأبحاث وعمليات الحفر انطلقت منذ السنوات الأولى للاستعمار الفرنسي بتونس سنة 1881، وكانت الحصيلة حفر ثلث الموقع تقريبا لكن هذه الحفريات مكنت من إبراز عدد كبير من المعالم المتنوّعة والتي تعود إلى عدّة فترات تاريخيّة".
aXA6IDMuMTQ1LjkyLjk4IA== جزيرة ام اند امز