"أنا الملك".. هذا هو لسان حال الدولار الأمريكي وهو يرد على الدعوات الدولية بإنهاء سطوته على النظام المالي العالمي.
تلك الدعوات، التي تجددت مع بدء الأزمة الأوكرانية في فبراير/شباط الماضي.
صعود الدولار خلال الفترة الماضية كان مدعومًا بمخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي، وسط دعم الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة لمستويات غير مسبوقة، مع توقعات باستمرار سياسة التشديد النقدي حتى الربع الأول من 2023.
وخلال يونيو/حزيران الماضي ارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس قيمة العملة، أمام ست عملات رئيسية، إلى 104.75 نقطة، مقتربًا من أعلى مستوياته في 30 عامًا، البالغ 105.01 الذي سجله في مايو/أيار الماضي.
وكانت الدعوات قد تجددت بإعادة النظر في استخدام الدولار كعملة رئيسية في احتياطيات العالم، وذلك عقب استخدام الولايات المتحدة احتياطيات الدولار ضمن العقوبات المفروضة على روسيا إثر الأزمة الأوكرانية.
ورغم محاولات خلق منافسين، لا يزال الدولار هو العملة الدولية المهيمنة، على مدار 8 عقود، منذ أن تبنّته الدول المشاركة في اتفاقية "بريتون وودز" عام 1944، باعتباره العملة "الرسمية" للاحتياطي النقدي.
وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، تشكل العملة الأمريكية نحو 60% من احتياطيات النقد الأجنبي للبنوك المركزية، رغم الجهود المبذولة لخفض حيازات الدولار بشكل مطرد، فيما يشكل اليورو، أقرب منافسيه، نحو 20% من المخزونات.
وشكل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ومجموعة العقوبات المفروضة على روسيا وإسهاماتها في ارتفاع قيمة الدولار عالميًّا، قوى دافعة لدعوات التغيير، حيث أدت إلى ظهور تساؤلات حول البدائل الممكنة للأسواق القائمة على العملة الأمريكية.
الولايات المتحدة نفسها لا تستبعد خطر وجود بدائل عالمية للدولار في الاحتياطات النقدية، وهو ما عكسته تصريحات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في جلسة استماع للجنة المصرفية بمجلس الشيوخ، مايو/أيار الماضي، بأن الحرب في أوكرانيا قد تُسرع جهود بكين لتطوير بدائل للبنية التحتية للمدفوعات الدولية، التي يهيمن عليها الدولار.
ويرى محللون أن العقوبات الأمريكية وتحركات روسيا لفرض الروبل في تعاملاتها الدولية مع شركاء رئيسيين مثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي، قد تُضعف هيمنة الدولار في احتياطيات الدول حول العالم، وهو الأمر الذي دعا وزيرة الخزانة الأمريكية للقول مؤخرا أمام المجلس الأطلسي: "الدولار سيظل المهيمن في ظل امتلاك الولايات المتحدة أكبر وأعمق سوق مال في العالم".
تحذيرات بعض المحللين الآخرين تذهب إلى أن العقوبات، التي تمنع وصول روسيا إلى احتياطياتها من العملات الأجنبية، قد تدفع البلدان الأخرى بعيدًا عن الدولار كمخزون للاحتياطيات.
وما يدعم هذا الرأي التحركات التي جاءت من جانب روسيا والهند، اللتين بدأتا أولى خطواتهما في طريق إسقاط الدولار الأمريكي في التجارة الثنائية واستبدال الروبل أو الروبية به، وهي خطوة من شأنها أن تسمح للبلدَيْن بتجنب العقوبات والحفاظ على علاقتهما التجارية.
ورغم أن الدولار الأمريكي سيظل العملة العالمية الرئيسية لعقود قادمة على ما يبدو، فإن التفتت إلى مستوى أصغر أمر ممكن تماما.. نحن نشهد ذلك بالفعل مع بعض البلدان، التي تعيد التفاوض بشأن العملة، التي تتقاضاها مقابل التجارة.
احتياطيات العملات العالمية بالدولار تبلغ نحو 60%، أي 12.8 تريليون دولار، بينما ما تزال حصة اليوان الصيني "أو الرنمينبي" أقل من 3%، متخلّفة عن الين والجنيه الإسترليني، ما يمنح الولايات المتحدة امتيازًا باهظًا على البلدان الأخرى.
ورغم ذلك، يتوقع بنك "جولدمان ساكس" أن "اليوان" قد يتجاوز الين والجنيه الإسترليني ليصبح ثالث أكبر عملة احتياطي في العالم بحلول عام 2030، فيما يرى بنك "مورجان ستانلي" أن العملة الصينية ستمثل ما يصل إلى 10% من أصول "الفوركس" العالمية في العقد المقبل.
ما البدائل؟
إذا كان "اليوان" ليس المنافس القوي للدولار حاليا.. فما الرهانات البديلة؟
رغم أن اليورو هو العملة الأكثر استخدامًا بعد الدولار كعملة احتياط لدى البنوك المركزية العالمية -"20% من إجمالي الاحتياطيات الدولية"- فإن سُمعته لا تزال متضررة من تجربتها الوشيكة على الموت خلال أزمة منطقة اليورو.
وتأثر اليورو في الأسابيع القليلة الماضية بمزيج من المخاوف من مصاعب اقتصادية ناتجة عن الحرب في أوكرانيا، وزيادة ضخمة في الدولار الأمريكي عزّزتها رهانات على أن "المركزي الأمريكي" سينفذ سلسلة خطوات لرفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم.
كما أن الذهب، أصل الاحتياطي العالمي خلال الجزء الأكبر من القرن العشرين، ليس عمليًّا في التداولات اليومية المتسارعة، والتي تصل إلى سرعة الضوء.
العملات الرقمية.. هل تكون حلا؟
هناك من يرى أن التحدي الأقوى للدولار ربما يأتي مستقبلاً من العملات الرقمية، رغم تقلباتها العنيفة، التي لا تجعلها مثالية تماما كعملة احتياط.
وضمن 100 دولة حاليا تدرس إمكانية استخدام عملات رقمية، وتمثل هذه الدول 90 تقريبًا من الناتج الإجمالي العالمي، فإن الولايات المتحدة تبدو متأخرة في التحرك نحو تبنّي مشروع "الدولار الرقمي"، مقارنة بتحرك الصين نحو العملات الرقمية بإطلاق "اليوان الرقمي"، ومساعيها لتعميمه في الاستخدام بين مواطنيها كخطوة أولى نحو تبنيه في معاملاتها مع دول أخرى.
وفي فبراير/شباط الماضي، قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، في كلمة أمام "مجلس أتلانتيك" في واشنطن، إن العالم تجاوز مرحلة المناقشات حول فكرة مستقبل النقود وصعود العملات الرقمية وبلغ مرحلة التجريب للعملات الرقمية، مشيرة إلى دول، مثل الصين والسويد، اللتين قطعتا شوطًا في هذا المجال.
ورغم ذلك، يبدو أن الدولار سيشهد مزيدًا من المكاسب خلال الفترة القادمة، خاصة مع اهتمام الأسواق بإجراءات البنوك المركزية لاحتواء التضخم، بقيادة مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة