بعد قفزة الدولار.. مخاوف في ليبيا من مستقبل مشروعات الإعمار
أثار الارتفاع غير المسبوق منذ سنوات في سعر الدولار الأمريكي بالسوق غير الرسمية بليبيا، قلقاً واسعاً بين المواطنين، لانعكاسه المحتمل على أسعار السلع وتوقف مشروعات الإعمار، خاصة في ظل غياب أي حل توافقي لإنهاء أزمة المصرف المركزي.
وبدأ سعر الدولار في تعاملات اليوم الإثنين، عند 7.97 دينار لـ"النقدي" و8.80 دينار لـ"الصكوك".
وفي لقاء لـ"العين الإخبارية" من داخل سوق فينيسيا للعملات ببنغازي، قال أحد تجار العملة إن المضاربات بشأن الدولار مستمرة، ولا وجود لسعر ثابت.
وأضاف التاجر، الذي فضّل عدم نشر اسمه، أن الأسعار ستظل متذبذبة، لكنها ستبقى مرتفعة ما لم تكن هناك حلول جذرية بشأن أزمة المركزي، مشيراً إلى أن مسألة تراجع أسعار العملة من عدمه تعتمد على تلك الحلول والتصريحات الرسمية المتعلقة بشأنها.
مسبّبات انفلات سعر العملات
وعن مسببات هذا الانفلات في سعر الصرف والتراجع الملحوظ في قيمة الدينار أمام الدولار، رأى الخبير الاقتصادي الليبي، طارق إبراهيم، أنها تعود حالياً لتعطل صادرات النفط، إلى جانب عدم التوصل لتوافق بشأن "أزمة المصرف المركزي".
كما أرجع إبراهيم، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أسباب الارتفاع إلى فشل المصرف المركزي في ضبط السوق السوداء "نتيجة غياب الإدارة الرشيدة".
وبحسب إبراهيم: "السوق السوداء باتت جزءا رئيسياً من الاقتصاد الليبي نتيجة لهذه السياسات العشوائية، حتى إنها أصبحت المهيمنة على أسعار العملات الأجنبية، وتعمل بشكل متوازٍ مع المصرف المركزي، ما أدى إلى تعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية".
وأضاف الخبير الاقتصادي أن "تحول السوق السوداء إلى بؤرة أساسية لتجارة الدولار، تتشكل فيها علاقات معقدة بين العرض والطلب في غياب التنظيم الرسمي، فتح بابا لتفاقم الأزمة الاقتصادية، يزيد من الفجوة بين المواطن العادي ومؤسسات الدولة المالية، ما يهدد استقرار البلاد".
وعبّر إبراهيم عن مخاوفه من تصاعد سعر الدولار لأكثر من 10 دنانير، وقال هذا سيكون "أسوأ سيناريو يتخوَّف منه المراقبون.. الغلاء سوف يتفاقم نتيجة للأزمة، ولعدم وجود رقابة أو ضوابط رادعة".
ورأى الخبير الليبي أنّه إذا استمر إغلاق "منظومة سوفت" مع المصرف المركزي؛ فإنه ربما يترتّب عليه نفاد المخزون السلعي، من غذاء وأدوية، ولن تكون هناك قدرة على مواصلة الاستيراد.
وقال إن هذا "الأمر لن يفوّته السماسرة وسيوظّفونه بتخزين ورفع أسعار السلع الأساسية، وبعدها لن تُجدي أي محاولة لضبط الأسواق والأسعار، بسبب ضعف آليات الرقابة، خصوصا في ظل الانقسام الراهن".
- سعر الدينار الليبي في السوق السوداء.. تراجع بنسبة 8% وسط شح المعروض
- سهم إنتل يقفز.. صفقة زلزالية في تاريخ صناعة أشباه الموصلات
الحلول الممكنة
وعن الحلول، يقول إبراهيم إن "ليبيا ليست دولة ضعيفة اقتصاديا، ولديها موارد طبيعية ضخمة واحتياطات نقدية تكفي لدعم الدينار، لو تمت إدارتها بالشكل الصحيح، وبالتالي، فإن على الأطراف المختصة بأزمة المصرف المركزي والشريكة فيها وفي حلّها، ضرورة الإسراع في وضع حل حاسم ووطني للأزمة، دون أن تكون الحلول مرحلية"، مضيفاً أن الضرورة كذلك أخذ تدابير صارمة ضد السوق السوداء.
ويرى الأستاذ الجامعي سليمان علي، أن من الصعب جدا التوقع وحتى التكهن بمآلات سعر صرف الدولار في ليبيا، محملا الارتفاع الحالي للوضع السياسي الراهن، وقرار إقالة محافظ مصرف ليبيا الصديق الكبير، من قبل المجلس الرئاسي.
وعلى حد قول علي، لـ"العين الإخبارية"؛ فإن ثبات سعر صرف النقد الأجنبي مرهون "بالتقارب والتباعد بين الأطراف السياسية طيلة السنوات الماضية"، معتبراً أن "تداخل السلطات والتزاوج بين السلطة والمال، ينعكسان على سعر صرف العملات الأجنبية واضطراب السوق بشكل عام".
وعن الحلول، رأى الأستاذ بجامعة بنغازي أنّها من المفترض وضعها من المختصين في السياسة المالية والنقدية، مع تفعيل دور الرقابة والمحاسبة.
زيادة الأسعار ومستقبل الإعمار
من جانبه، توقّع وليد العبيدي، وهو تاجر قطعة للأجهزة الكهربائية في بنغازي، أن يتجه سعر الدولار إلى مستوى قياسي، ما يؤدي لزيادة كل أسعار السلع.
وتابع العبيدي: "كما أن عدم توفر السيولة بالمصارف، سيدفع المواطن لشراء النقد الأجنبي وإعادة بيعه في السوق للحصول على النقد، وهذا أثره سيئ على الفرد والمجتمع".
وأضاف لـ"العين الإخبارية" أن المواد ذات الاستعمال المستمر مثل "الغذائية"، سيضطر كبار مورديها للاتجاه للسوق الموازية، لسداد التزاماتهم، وبذلك سيرتفع كل ما هو موجود في السوق وكان معقولا بسبب الاعتمادات.
وبشكل أشمل، ينعكس هذا بالسلب على أعمال الإعمار والتنمية الجارية، إذ سيؤدي ارتفاعها إلى زيادة في التكاليف، مع ما هو موضوع من أسعار المقايسات المحددة مسبقاً من إدارة مشروعات الإعمار والتنمية.