لم تعد مؤامرات حكومة الحمدين خافية على أحد وكل يومٍ يمر تظهر على السطح خفايا جديدة ودلائل لا يخالطها شك عن دور هذه الحكومة المنفلتة في الخراب الذي أصاب دول العرب
من جميل ما أحفظ، مقولة لجون بينيان، مفادها أنّ: «السحب السوداء تجلب أمطاراً، بينما الصافية لا تجلب شيئاً»، ورغم أنّه يتحدث عن الصعوبات التي يخرج منها الناجحون والأفذاذ، إلا أنّ قطر ومرتزقتها تفهمها خطأً، وهي تظن «سواد الويه» وسود الأفعال أمراً يفتخر به، ولا بد من الدفاع عنه باستماتة حتى الرمق الأخير.
لم تعد مؤامرات حكومة الحمدين خافيةً على أحد، وكل يومٍ يمر تظهر على السطح خفايا جديدة ودلائل لا يخالطها شك عن دور هذه الحكومة المنفلتة في الخراب الذي أصاب دول العرب، وانزوى الغدر نفسه حياءً مما رآه من أفاعيلها، وقد جعلت نُصب همها، تمزيق جيرانها الخليجيين، وبالذات السعودية ثم الإمارات، فالصغير لا يستطيع أن يُقارع الكبار، لذا، لا يُستغَرَب سعاره المحموم لمحاولة إسقاط أولئك الكبار، على أمل أن يخلو له الجو، وذاك ما لن يحدث حتى «تتعقّص الرخمة».
الأمر الذي يؤلمنا في القصة القطرية، هي كتائب الـ «دون كيخوتي»، الذي كان يحارب طواحين الهواء معتقداً بأوهامه أنهم أعداء يريدون الإغارة على قريته، حاملاً رمحه الصَدِئ، ومعتلياً ظهر حصانه الهزيل، أشباهه اليوم نراهم وهم يستميتون في الدفاع عن حكومة المجرمين، رغم انكشاف كل أوراقها، والتي لا تفيدها كل مساحيق الدنيا، ويتعامون عن كل الحقائق، ويضربون بكل الشواهد والأدلة الدامغة عرض الحائط في «فزعات» ساذجة، ليس بإمكانها توفير حتى ورقة توت لستر حكومة الشر والمؤامرات.
عندما ترى ذاك الحماس الذي يحمله أولئك المدافعون، تتذكّر تلك الآية الكريمة، التي تُلخّص مبلغ فكر هؤلاء المنساقين خلف «الأسياد»، والذين لا ينفع معهم منطق العقل، ولن يدينوا لحقيقة واضحة، فهم قد أتوا ولديهم حُكْم سابق لا يمكن تغييره أبداً، مفاده أننا مع سادتنا حتى لو قالوا إن لون الشمس أسود، فصدق سبحانه عندما قال: «قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون»، فهم لم يفتخروا بأنهم على آثارهم لا يحيدون، بل يرون تلك هي الهداية.
لم تعد مؤامرات حكومة الحمدين خافيةً على أحد، وكل يومٍ يمر تظهر على السطح خفايا جديدة ودلائل لا يخالطها شك عن دور هذه الحكومة المنفلتة في الخراب الذي أصاب دول العرب
ما نراه لا يعدو أن يكون نتاجاً طبيعياً لما غرسته قناتهم التي كانت تفتخر بأنها منبر من لا منبر له، ولم تكذب، فقد منحت قدراتها ومايكروفوناتها وبرامجها المؤدلجة لكل ساقط ومارق ومنحرف خُلُق وفكر، وزرعت في النفوس أنه لا بد من احترام الرأي الآخر، شريطة أن يكون هذا الرأي الآخر هو ما أؤمن به وأريد إرغام الآخرين عليه.
لذا، ترى «دون كيخوتات» ومطبلي الحكومة القطرية لا يريدون سماع ما تقول، ولا تجد لديهم أي رغبة لرؤية ما تذكر من حقائق وما تطرح من أدلة، أنت في عُرْفِهم أحد هذه المصطلحات التي لا يوجد سواها لتأطير مُخالِفيهم «حاقد، حاسد، غيور، ضيق الفكر، عاشق للديكتاتوريات».
وستسمع تكراراً لإسطوانتهم المشروخة، والتي اقتبسوها بقضّها وقضيضها من قناة الدجل والتلفيق «الجزيرة» عن العقلية العربية المتحجّرة، وعشق الاستعباد الطوعي، وكراهيتهم لـ «هواء» الحريّة، وخوفهم من أنوار الديمقراطية، تخيّلوا فقط من يقول ذلك، ليس فرنسا ولا ألمانيا ولا بريطانيا ولا أمريكا، بل من دولة يوجد بها مجلس واتحاد رسمي «للهجن»، ولا يوجد مجلس شورى «مُنتَخب»، وليس مُعيّناً بكامله للبشر.
هؤلاء الدون كيخوتات أشبه بالـ «زومبي»، فهي أجساد تتحرّك، ولكن بأرواح وعقول ميّتة، فلا التاريخ سيغيّر رأيها ولا الواقع سيقنعها ولا المنطق بكامله سيجد منفذاً ولو كرأس إبرة في عقولها المغلقة عن كل ما لا يقوله «الأسياد»، لن يروا أن تدخل قطر وسيطاً في أزمة السودان، تسبّب بانقسام ذلك البلد العظيم، ولن يلتفتوا إلى أن تدخلها في القضية الفلسطينية، تسبب بانقسام الوجود الفلسطيني بين تيار فتح، وهي الكيان الرسمي الممثل للشعب الفلسطيني، وبين حماس التي تدعمها قطر.
وتسبّب في تمرير التآمر عليها أكثر بصلات الحكومة القطرية و«تفاهماتها» مع الحكومة الإسرائيلية، ولن يقتنعوا بأنّ أفاعيل حكومتهم وأموالها ومرتزقتها، هي من مزّقت ليبيا، وعاثت خراباً في مصر، وما زالت، وحوّلت مسار الأزمة السورية بدعم القاعدة والنصرة، ودفعت مئات ملايين الدولارات للحشد الشعبي الطائفي بالعراق، تحت تمثيلية المُختطفين، ولن يقتنعوا، كما هي منهجية القطيع، بكل ما سمعوه من تسجيلات.
وما رأوه من فيديوهات عن تآمر «الأسياد» بكل صراحة ووقاحة على السعودية والبحرين، واعترافات رجل مخابراتهم بدور بلاده في دعم التنظيم السري بالإمارات، ولا ما انكشف من جريمة التآمر على قوات التحالف العربي باليمن، وقوافل الشهداء التي ارتفعت بخيانة حكومتهم، الحقيقة المحزنة والمخجلة هنا، أن بوسع أسيادهم أن يفرحوا بوجود عقول مغيّبة تماماً، تنساق وراءهم من دون مساءلة أو ذرّة تفكير.
الدون كيخوتات لا يتورعون عن الكذّب وتزوير الحقائق، فبعد فضيحة ترويجهم وقناتهم نكتة تضامن سائقي تكاسي لندن مع حكومة قطر، جاءت نكتة أخرى بتضامن الأمريكان معهم، وإنارة مبنى الـ «أمباير ستيت» الشهير بعلم قطر، والتي اتضح أنّ الخطوط الجوية القطرية دفعت ما قدره 622 مليون ريال لوضع العلم، احتفالاً بمرور عشر سنوات على أول رحلة لها، ما يُحسَد عليه الدون كيخوتات، هو عدم توقّفهم للاعتذار أو المراجعة، بل يقفزون للأمام بحثاً عن كذبة أخرى.
المهم هو التطبيل للأسياد، والافتخار بالانسياق الأعمى خلفهم، كما قال الشاعر الجاهلي دريد بن الصمّة، الذي قاتل النبي صلى الله عليه وسلم انسياقاً خلف أسياده، فَقُتِلَ في حُنين:
وهل أنا إلّا مِن «غزيّة» إنْ غَوَتْ غَوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزيّة أرْشُدِ
يقول المفكر العربي مصطفى محمود: «هناك من يناضلون للتحرّر من العبودية، وهناك من يطالبون بتحسين شروط العبودية»، ولو كان حيّاً لوقتنا هذا، لَعَلِمَ أنّ هناك صنفاً ثالثاً يمثله دون كيخوتات قطر، وهو من يرى أعلى مراحل الحريّة، هي العبودية المطلقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة