الجفاف يحاصر قطاع الزراعة في سوريا.. آثار كارثية
بعد أن شكلت مناطق شمال شرق سوريا مركزا زراعيا حيويا بالنسبة للبلاد، أدى الجفاف المتكرر إلى آثار كارثية على قطاع الزراعة.
واحتشد عدد من القضايا مثل استخراج المياه بشكل غير مستدام، وسوء إدارة المياه، والإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات، وضعف الوعي، إلى جانب أمور أخرى لتشكيل تهديد لسلة غذاء سوريا.
وبحسب ما أكده تقرير لمركز الإمارات للسياسات فإن أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في تكرار حالات الجفاف في شمال شرق سوريا يتمثل في عمليات الاستخراج الجائر للمياه الجوفية، ما أدى إلى تراجع حاد في مستويات المياه الجوفية. وتسبب هذا بدوره بجعل الأراضي قاحلة وأقل قدرة على استدامة النشاطات الزراعية. ونتيجة لذلك وجد الكثير من المزارعين أنفسهم مضطرين للتخلي عن أراضيهم والهجرة إلى المناطق الحضرية بحثاً عن مصادر دخل بديلة.
أثر الجفاف وتغيُّر المناخ
وأشار المركز إلى أن تَغَيُّرْ المناخ أصبح مصدر قلق متزايد في شمال شرق سوريا لأنه يُشَكِّل تحديات كبيرة للزراعة وموارد المياه والاستدامة بشكل عام في المنطقة. ويمكن ملاحظة أثره بعدة طرق. فقد شهدت المنطقة زيادة ملحوظة في درجات الحرارة خلال العقود الماضية، الأمر الذي أدى إلى ظهور موجات من الحر المتكررة والطويلة.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة بدوره إلى زيادة معدلات التبخر، ما فاقم من شُحّ المياه والتأثير بشكل سلبي على نمو المحاصيل، خاصة القمح والقطن والذرة وفول الصويا التي تُشَكِّلَ أغلبية المحاصيل الأساسية في سوريا.
وشهدت مناطق شمال شرق سوريا إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة تراجعاً في مستويات هطول الأمطار التي أصبح من الصعب توقعها.
وأدى الجفاف المستمر في شمال شرق سوريا إلى تراجع كبير في إنتاج القمح الذي يُعَدُّ من المحاصيل الأساسية للمنطقة.
كما أدى تراجع وفرة المياه إلى عطش الحقول الزراعية وتراجع إنتاجية المحاصيل الزراعية، ما أثَّر في نهاية المطاف على الأمن الغذائي لملايين البشر الذين يعتمدون على القمح في قوتهم اليومي.
ويؤثر الجفاف في شمال شرق سوريا بشكل كبير في أنواع كثيرة من المحاصيل غير القمح، الأمر الذي يؤثر في الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي وأسباب العيش للمزارعين. ويواجه الشعير الذي يُعَدُّ من المحاصيل الأساسية تراجعاً في الإنتاجية بسبب الجفاف، ما يؤثر في أعلاف المواشي وبالتالي الاستهلاك البشري. كما تتراجع إنتاجية الخضروات مثل الطماطم والخيار والفلفل، وزيادة عُرضة هذه الخضروات للحشرات والأمراض، وبالتالي الحد من حصول المستهلكين المحليين على المنتوجات الطازجة منها. كما شهد القطن الذي يُعَدُّ من المحاصيل الحيوية تراجعاً في الإنتاجية والنوعية، وبالتالي تراجُع دخل المزارعين خلال السنوات الأخيرة، بحسب ما أكده مركز الإمارات للسياسات.
واستجابة لهذه التحديات تبذل سلطة الزراعة والري التابعة لـ "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" بدعم من منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية جهوداً مهمة لوضع وتنفيذ سياسات تهدف إلى دعم مربي المواشي مثل تقديم بعض الدعم على الأعلاف، وإلغاء الرسوم عن الأعلاف المستوردة من إقليم كردستان العراق، وتسهيل الوصول إلى موارد المياه، وتشجيع المزيد من ممارسات الرعي المستدام.
عوامل شح المياه
أوضح مركز الإمارات للسياسات أن شُحُّ المياه في شمال شرق سوريا يعود إلى الكثير من الأسباب المباشرة والضمنية بعضها من صنع الإنسان في حين أن أسباباً أخرى تعود إلى الظروف الطبيعية المتغيرة، مشيرا إلى أن هناك ثلاثة عوامل مهمة على الأقل: أولها شُحُّ المياه الناجم عن الظروف التي تسبب بها الصراع في سوريا، والثاني الممارسات السيئة المعمول بها قبل سنة 2011 وما زالت مستمرة لغاية الآن، أما الثالث فغياب الموارد اللازمة للتعامل مع مشكلة شُحُّ المياه بطريقة مستدامة.
وعن قطاع المُساعدات الإنسانية أكد المركز أنه يلعب دوراً حاسماً في دعم الجهود في شمال شرق سوريا للتكيّف مع أزمة الجفاف المُستمرة.
وأضاف أن أحد المجالات الرئيسة التي تُركّز عليها مُنظّمات المُساعدات الإنسانية الدوليّة والمحليّة هو تعزيز الحلول وتنفيذها في مجال الحفاظ على المياه. وتهدف هذه الحلول إلى تحسين إدارة المياه والحفاظ عليها وتعزيز كفاءتها، ما يضمن في نهاية المطاف استخدام موارد المياه المحدودة بشكل مُستدام وعادل.
ومن بين تلك الأساليب تعزيز مُمارسات الاستخدام المُستدام للمياه، والتي تُشجّع على الاستهلاك والإدارة المسؤولة لموارد المياه على مستوى الفرد والمجتمع. وغالباً ما تتضمّن هذه الممارسات دعم أنظمة تجميع مياه الأمطار، وإعادة تدوير المياه الرمادية، والأجهزة الموفّرة للمياه. ومن خلال تنفيذ أنظمة تجميع مياه الأمطار، يُمكن للمجتمعات جمع مياه الأمطار وتخزينها لاستخدامها خلال فترات ندرة المياه. ومن ناحية أخرى، تسمح أنظمة إعادة تدوير المياه الرمادية للأسر من ناحية أخرى بإعادة استخدام المياه من الأحواض والاستحمام والغسّالات للري أو تنظيف المراحيض؛ وبالتالي تقليل الطلب على المياه العذبة.
ومن المجالات الرئيسة الأخرى التي ينخرط فيها قطاع المُساعدات الإنسانية بنشاط تعزيز اعتماد أنظمة الري الذكية في الزراعة. وتُستخدَم هذه الأنظمة المُتقدّمة تكنولوجياً لتحسين استخدام المياه من خلال المُراقبة الدقيقة لمستويات رطوبة التربة وتزويدها بالمياه فقط عندما تكون هناك حاجة إليها.
وخلص المركز في نهاية تقريره إلى أن أزمة المياه في شمال شرق سوريا قضية مُعقّدة وملحّة، وتتطلب نهجاً شاملاً ومُنسّقاً على نحو جيد للتخفيف من آثارها بعيدة المدى على القطاع الزراعي، والمُجتمعات المحلية.
وأشار إلى أنه من من أجل حماية قطاع الزراعة في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، من الضروري تطوير وتنفيذ مُمارسات مُستدامة في إدارة المياه.
وختم مركز الإمارات للدراسات تقريره بـ3 حقائق صعبة في شمال شرق سوريا: أولها أن هياكل الحكم المحليّة ضعيفة وغير مُجهزة بالكامل لمواجهة التحدّي، والحقيقة الثانية أنه للحفاظ على ديمومة القطاع الزراعي، سيكون الاستثمار من الفاعلين الخارجيين - لاسيما الدول المانحة - ضرورياً خلال السنوات القليلة المُقبلة، نظراً لأن الحرب أضعفت القدرات المحليّة، والحقيقة الثالثة هي أن الأمن الغذائي لسوريا مُرتبط بالشمال الشرقي. وسواء ظلّت البلاد مُنقسمة بحكم الأمر الواقع، أو توحّدت بشكل ما، فإن حصة سوريا في الهلال الخصيب ستظل مهمة لسوريا بأكملها.
aXA6IDMuMTQ1LjEwOS4xNDQg جزيرة ام اند امز