انبعاثات النظام الغذائي العالمي.. كيف يؤدي طعامنا إلى تغير المناخ؟
يقول خبراء البيئة والمناخ إن الطريقة التي ننتج بها غذاءنا ونستهلكه ونهدره يمكنها أن تلعب دورًا في تجنيب العالم كارثة مناخية وشيكة.
تتمثل أبرز العوائق أمام إرساء ممارسات صديقة للبيئة في أن الكثير من الممارسات الضارة يجري تشجيعها ودعمها ماليًا من قبل الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة.
ولا يمكن الاكتفاء بتقليل الانبعاثات الناتجة عن قطاعات النقل والطاقة من أجل وضع حد للتغيرات المناخية، إذ يتطلب الأمر العمل على خفض إسهام النظام الغذائي العالمي في غازات الاحتباس.
ويقول سكوت فابر، نائب رئيس مجموعة العمل البيئي "EWG": "إذا قللنا الانبعاثات المتعلقة بقطاعات مثل الطاقة والنقل ولم نتعامل مع انبعاثات الزراعة والغذاء فإننا ببساطة لن نتجنب الكارثة المناخية".
انبعاثات النظام الغذائي العالمي
ووفقًا لصحيفة "CBS NEWS" الأمريكية، يشكل النظام الغذائي العالمي -يشمل زراعة ومعالجة ونقل وتوزيع واستهلاك المواد الغذائية والتخلص منها- ثُلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري كل عام.
ومن قطع الأشجار إلى رعي الماشية وصولًا إلى التخلص من نفايات الطعام، تنتج كل مراحل النظام الغذائي غازات دفيئة يمكنها أن ترفع درجات الحرارة في كوكب الأرض إلى 1.1 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، وفقًا لدراسة حديثة نشرت نتائجها في مارس/آذار الماضي.
ويعتبر غاز الميثان ثاني أكبر منتج للغازات المسببة للاحتباس الحراري بعد ثاني أكسيد الكربون، وهو أقوى 25 مرة من ثاني أكسيد الكربون في حبس الحرارة في الغلاف الجوي، ويمكن للأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية منه أن تشكل أكثر من 80% من الاحترار المرتبط بالأغذية بحلول 2100.
ووفقًا للصحيفة، تعتبر الماشية والزراعة من أكبر مصادر غاز الميثان، إذ تبعث حقول زراعة الأرز الكثير من الغازات بعد غمرها بالمياه، كما أن السماد العضوي ورعاية الأبقار ورؤوس الماشية تنتج قدرًا لا يستهان به من الغازات الضارة.
"فاتورة المزرعة"
وفي الولايات المتحدة، ربما يكون العامل الأكثر تأثيرًا في السياسة الزراعية التي تؤثر على تغير المناخ هو فاتورة المزرعة، وهو إجراء ضخم ومثير للجدل يضع السياسات واللوائح الزراعية، ويتم تمريره من قبل الكونغرس كل 5 سنوات وهو قيد التجديد هذا العام.
ونشرت مجموعة العمل البيئي "EWG" تحليلاً للإنفاق الزراعي في الولايات المتحدة بين عامي 2017 و2020، وهي الفترة التي قدم خلالها برنامج حوافز الجودة البيئية لمشروع قانون المزرعة أكثر من 3.6 مليار دولار من التمويل للمزارع.
ووجدت "EWG" أن 23% فقط من مدفوعات الحوافز "ذهبت لصالح الممارسات التي تخفف من تغير المناخ"، وفقاً لقائمة وزارة الزراعة الخاصة بـ"الممارسات والتعزيزات الذكية للمناخ"، وتتضمن بعض هذه الممارسات الذكية مناخيًا تحويل السماد الطبيعي إلى سماد عضوي وتحسين صحة التربة.
وقد يكون تنفيذ ممارسات صديقة للمناخ مكلفًا ويؤثر سلبًا على المحصول، ويقتطع من صافي أرباح المزارعين ويجعل محاصيلهم أو قطعانهم أقل جاذبية للمستثمرين والمشترين، لكن هذا الواقع أدى إلى دورة في الولايات المتحدة تكافئ الأنظمة التي تصدر الغازات الدفيئة وتؤدي إلى أكبر قدر من تدهور الأراضي.
وقال المنتدى الاقتصادي العالمي إن هذه الأنظمة الزراعية المدمرة للبيئة "هي الأكثر احتمالا للوصول إلى رأس المال"، فيما وجد تحليل "EWG" أن غالبية ممارسات برنامج حوافز الجودة البيئية الممولة من "فاتورة المزرعة" كانت للهياكل أو المعدات أو المرافق التي لم تكن حتى على قائمة "البيئة الذكية" للإدارة.
كما أن بعض العناصر التي تتلقى أكبر قدر من التمويل، مثل مرافق تخزين النفايات، التي تُستخدم في السماد الطبيعي، تزيد في الواقع انبعاثات الميثان، وهي نقطة اعترفت بها وزارة الزراعة الأمريكية، ومن البدائل الصديقة للمناخ لإدارة نفايات الماشية استخدام الميكروبات لهضم السماد أو التسميد اللاهوائي.
جهود دولية
عالميًا، اتفق القادة على خفض انبعاثات النظام الغذائي العالمي بشكل كبير، وفي عام 2021 وقعت 111 دولة -تشكل 45% من انبعاثات غاز الميثان العالمية- اتفاقية لخفض انبعاثات الميثان 30% بحلول عام 2030، ووقعت 145 دولة على اتفاقية حفظ الغابات، التي تنتج غالبًا عن تربية الماشيةـ بحلول عام 2030.
وفي عام 2015، تبنى 196 طرفًا اتفاقية باريس الدولية للحفاظ على متوسط درجات الحرارة العالمية من الاحترار بأكثر من 1.5 درجة مئوية، لكن منذ ذلك الحين ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية بما لا يقل عن 1.1 درجة، ويعني هذا أن انبعاثات النظام الغذائي وحده ستدفع الاحترار إلى ما وراء سقف الاتفاقية.
ويقول ريتشارد وايت، كبير الباحثين المشاركين في برامج الغذاء والمناخ في معهد الموارد العالمية: "عندما نفكر في المناخ فإن التركيز ينصب عادة على الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة، وهذا أمر منطقي لأنه المحرك الرئيسي للانبعاثات، ولكن يبقى الطعام جزء كبيرًا من المشكلة، فنحن نأكل 3 مرات يوميًا".
وحتى هذه اللحظة، لا تعترف الكثير من دول العالم بدور النظام الغذائي العالمي في إنتاج غازات الاحتباس الحراري، بينما فقط ثلث الدول الـ194 التي وقعت على اتفاقية باريس تشير إلى تدابير تخفيف النظام الغذائي في أهدافها المناخية.
هدر الطعام واستهلاك اللحوم
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن على قانون تحسين التبرع بالأغذية، والذي يعد بالحد من هدر الطعام وانعدام الأمن الغذائي.
وتقول أماندا ليتل، خبيرة النظم الغذائية في جامعة فاندربيلت، إن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات بخلاف قانون تحسين التبرع بالأغذية.
ووفقاً للصحيفة، فإن الولايات المتحدة أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، ومع ذلك لا تذكر الحد من هدر الطعام في أهدافها الأخيرة للانبعاثات، رغم إهدار سكانها نحو 40% من جميع المواد الغذائية.
ويقول بيت بيرسون، من الصندوق العالمي للحياة البرية، إنه يتعين على الولايات المتحدة أن تقود الطريق في هذه القضية.
في السياق نفسه، أشارت الصحيفة إلى تزايد الاستهلاك العالمي للحوم، وترجع ذلك إلى تكوين المزيد من الثروة في الاقتصادات الناشئة مثل الصين والبرازيل، فيما تستهلك الولايات المتحدة اللحوم أكثر من أي دولة أخرى.
وعلى مدار سنوات شجعت الدراسات على المزيد من النظم الغذائية الغنية بالنباتات وتقليل اللحوم الحمراء، بحجة أن هذا التحول يمكن أن يقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ووجدت دراسة نُشرت في مجلة "Nature" العلمية أنه إذا كانت الوجبات الغذائية على مستوى العالم تقتصر على حصة واحدة من اللحوم الحمراء أسبوعيًا، وجميع البروتينات الحيوانية الأخرى إلى حصتين يوميًا، فإن الاحترار العالمي الناتج عن استهلاك الغذاء من المتوقع أن ينخفض بمقدار 0.19 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي.
aXA6IDMuMTQ1LjE2MS4xOTQg جزيرة ام اند امز