ساندويتش ومثلجات.. رشوة تجار المخدرات لأطفال مرسيليا

في الأحياء الشعبية المهمَّشة بمدينة مرسيليا الفرنسية، يعمل تجار المخدرات على التسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية للسكان، في مسعى لـ"شراء" القبول الاجتماعي وبناء علاقات ودّية مع العائلات والأطفال.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية، تتراوح أساليب هؤلاء التجار بين تقديم الساندويتشات والمثلجات، والمساعدة في حمل المشتريات، وتنظيم حفلات داخل الأحياء، في محاولة لملء الفراغ الناتج عن غياب الجمعيات والخدمات الاجتماعية، وهو ما يثير مخاوف الأهالي والسلطات على حد سواء.
شهادات من قلب الأحياء الشمالية
محمد بنمدور، وهو وسيط يعمل منذ سنوات مع الأطفال والمراهقين في الأحياء الشمالية لمرسيليا، روى للصحيفة ما حدث معه قبل عدة أعوام قائلاً: "كنت في حي المارنونييه، ولم تكن لدي إمكانات مالية. عرض عليّ التجار أن يضعوا المال في صندوق مشترك لتمويل أنشطة داخل الحي"، مشيراً إلى أن هذا الحي الواقع في الدائرة الرابعة عشرة لطالما كان مسرحاً لتجارة المخدرات.
وأضاف: "كان الهدف إقامة حفل شواء للحي وتنظيم ألعاب للأطفال، لكنني رفضت تماماً، إذ لم أكن مستعداً لقبول أموال من تجار المخدرات".
مساعدات ظاهرها بريء وباطنها استغلال
أما دليلة، وهي أم لأربعة أطفال، فتصف كيف يحاول التجار الاندماج في حياة السكان قائلة: "يساعدون الأمهات في رفع عربات الأطفال عند تعطل المصعد، يحملون أكياس التسوق لكبار السن، ويقدمون الطعام للمراهقين".
لكنها تحذّر بقلق قائلة: "يحاولون استمالة أولادنا بقطعة نقود أو ساندويتش أو مثلجات. طلبوا من ابني مرة أن يحمل حقيبة للشبكة، فصرخت في وجهه ومنعته. هناك أطفال، خصوصاً من يعيشون مع أمهات وحيدات، وقعوا في الفخ".
وتضيف: "نحن نراقب أبناءنا باستمرار من خلال مجموعة واتساب للأهالي، لذلك لا يتمكن التجار من تجنيدهم بسهولة، وغالباً ما يستعينون بمراقبين من خارج الحي لا يتحدثون الفرنسية".
نسخة مصغرة من "استراتيجية إسكوبار"
الشرطي النقابي برونو بارتوسيتي اعتبر أن ما يحدث يذكّر بممارسات بارون المخدرات الكولومبي بابلو إسكوبار في ثمانينيات القرن الماضي، قائلاً: "إنها محاولة لشراء السلم الاجتماعي عبر المساعدات والخدمات. ليست بالحجم نفسه، لكن المنطق متطابق: كسب التعاطف. إنها آلية مَرَضية".
ويؤكد محمد بنمدور قائلاً: "رأيت مهرّبين يشترون مسابح مطاطية للأطفال، وينظمون حفلات شواء وسهرات لإحياء الحي. يعرفون الأطفال أكثر من نشطاء المراكز الاجتماعية".
غضب السلطات ودعوات للتدخل
من جانبها، صرحت أودري غاتيان، نائبة عمدة مرسيليا لشؤون المدينة: "لا يمكن السماح للشبكات بأن تملأ الفراغ. من الضروري إعادة استثمار الأحياء بأنشطة بديلة".
وأشارت إلى أن البلدية تعمل على دعم المهرجانات الرياضية والاحتفالات وتقديم المساندة للجمعيات لمواجهة نفوذ العصابات، مستشهدة بحي لاباتورنيل الذي تم "استعادته" من سيطرة عصابتي يودا و"دي زد مافيا". لكنها اعترفت بوجود "نقاط سوداء" داخل البنايات الخاصة المتدهورة، حيث تغيب السلطة العامة بشكل كامل.
أما بنمدور، فكان أكثر تشاؤماً حين قال: "أخبرني شرطي سابق من شرطة الأحياء أن التجار استعادوا الأرض ببساطة لأننا تركناها لهم. في الماضي، كانت الشرطة تعرف كل ساكن، ولم تكن لتسمح مطلقاً بإنشاء نقطة بيع. لم يكن ذلك يقضي على الجريمة كلياً، لكنه كان يحدّ منها على الأقل".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز