ترى تركيا في اليونان عائقا أمام تحقيق أهدافها التوسعية في الشمال الأفريقي، وثمة عوامل أخرى توجه التوترات في شرق المتوسط.
واقع تركيا حالياً يقول: إن السياسات القمعية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان والفساد المستشري في نظامه، لم يَتْرُكا لشباب بلاده مخرجا سوى البحث عن مهرب من هذا الجحيم، فهم لا يرون مستقبلهم في وطنهم بعدما بلغ التضييق الحكومي مداه، أو العيش في التعاسة والقمع والفقر والبطالة، كما أن واقع تركيا يقول أيضا: إن الاقتصاد التركي ضحية أردوغان وصهره، فالليرة التركية تشهد انخفاضا ونزيفاً مستمرًا لم تستطع الحكومة إيقافه، حيث شهدت تركيا واحدة من أكبر موجات هروب رؤوس الأموال، مما جعل وكالة "موديز" تذهب نحو تخفيض تصنيف تركيا الائتماني، وتؤكد أن حكومة أردوغان غير قادرة على التعامل مع التحديات، وأنَّ كل المؤشرات القياسية تذهب نحو تعمق متاعب الاقتصاد التركي مع حالة سوداوية للمستقبل تستثير هلع الناس لما هو قادم.
كل هذه التحديات جعلت الرئيس التركي يسعى جاهداً ليس فقط للتوسع في المتوسط، بل أيضا إلى محاولة استهداف المؤسسات الغربية، سواء الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو، فأحلام أردوغان لا تختلف كثيراً عن أحلام بقية سلاطين الدولة العثمانية. قد يختلف المراقبون حول مدى هوس الرئيس التركي بالتاريخ العثماني، ولكن ما لا يجب الخلاف عليه، هو أن أهداف الرئيس التركي أكبر من مجرد التنقيب على الغاز وترسيم الحدود البحرية مع اليونان، فهي ترى أن مناوراتها في المتوسط رأس حربة تجمع حولها كل مناصريها من الإسلاميين، ليس في ليبيا فقط، بل في تونس والجزائر والمغرب ومصر.
توتر شرق المتوسط يمثل خريطة تعقيدات وتداخلات الحدود البحرية لدول المنطقة، فقد يصعب على المتابع رسم خريطة لتعقيدات ملف الحدود البحرية في شرق المتوسط، في الظاهر يتمحور لصراع بين تركيا واليونان على غاز المتوسط والحدود البحرية بين الدولتين، لكن لتركيا أهداف أوسع وأكبر ترتبط باليونان بشكل أو بآخر، الهدف الأول: هو التوسع في اتجاه الشمال الأفريقي، لاسيما بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أبرمتها تركيا مع حكومة السراج الليبية، أما الهدف الثاني والأهم والذي لا ينتبه إليه كثر : هو محاولة استهداف كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والعمل على تأجيج الانقسام بين أعضائمها. النظام التركي يتعامل مع الدول الغربية بطريقة "فرق تسد"، ويعتقد أنه قادر على تعميق الخلافات بين الحمائم والصقور داخل كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، هو السبيل الوحيد لتقوية تركيا.
ترى تركيا في اليونان عائقا أمام تحقيق أهدافها التوسعية في الشمال الأفريقي، وثمة عوامل أخرى توجه التوترات في شرق المتوسط، وتتمثل بالخلفية والجذور التاريخية بين البلدين رغم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، إذ أعطت تلك العملية أنقرة دافعاً للحفاظ على علاقات دافئة مع اليونان، لكنها لم تساهم في طي صفحة الماضي الأليم .
يجيد أردوغان ويسعى دائما للعمل بسياسة إشغال الداخل بمشاكل الخارج؛ إلا أن تورم الدور التركي ستكون له عواقب وخيمة على تركيا الدولة وتركيا الشعب، الدول التي تتورم بدون بنية اقتصادية صلبة تجدها مع أول هزة تفقد توازنها وتسقط، فتركيا اليوم تترنح، و رهان اليونان على الأوربيين والموقف الموحد وعلى ماكرون و الخطوط الحمر تجاه أردوغان قوي، وهو ما يجعل أزمة شرق المتوسط أزمة "أخطبوطية" تساهم فيها العديد من الدول وتتشعب نحو الجذور التاريخية والجغرافية .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة