تركيا تسعى إلى تجنب المواجهة العسكرية، التي ستؤدي بالتأكيد إلى خسائر عسكرية واقتصادية لا تستطيع تحملها.
مرت البشرية بتاريخ من الحروب الدموية، لكن القرن المنصرم أعطى العالم درساً بأن الحرب خاسرة مهما كانت النتيجة، حيث كان القرن العشرين أحد أكثر الفترات قسوة، لكن يبدو أن العالم بدأ في نسيان ويلات تلك الحروب التي خلفت ضحايا بالملايين.
وقد عادت نغمة الحروب لتعزف مرة أخرى، ولتعود بوادرها شرقاً وغرباً، وما التصعيد العسكري التركي ضد اليونان، إلا شكلاً من أشكال فشل السياسة والتهديد بالمواجهة، كل ذلك بسبب التصدي لخطة الاستحواذ على موارد شرق المتوسط من النفط والغاز والتي تقع ضمن الحدود اليونانية بموجب قانون الملاحة الدولي، فيما تواصل أنقره التنقيب في منطقة تتنازع عليها مع أثينا، وأجرت تدريبات عسكرية باسم عاصفة البحر الأبيض المتوسط ما جعل اليونان يلجأ إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والأمم المتحدة، ثم تبرم صفقات أسلحة مع فرنسا لتطوير جيشها، تشمل شراء طائرات ومروحيات وفرقاطات.
وتعود المشكلة إلى الاكتشافات النفط والغاز التي تقدر بـ 345 تريليون متر مكعب من الغاز و1.5 مليار برميل نفط، في أعماق البحر المتوسط، ليبدأ مسلسل التصريحات والتهديدات، وإعادة رسم الخرائط والحدود البحرية، من أجل الحصول على حصة الأسد من تلك الثروات ما يرفع احتمال اندلاع مواجهات عسكرية شرق المتوسط، فهل تستطيع أنقره الدخول في حرب جديدة؟
لا شك أن تركيا تسعى إلى تجنب المواجهة العسكرية، التي ستؤدي بالتأكيد إلى خسائر عسكرية واقتصادية لا تستطيع تحملها، فالاقتصاد التركي يتهاوى وسعر العملة ينخفض بشكل غير مسبوق، ويواجه الاقتصاد التركي أزمات خانقة حتى قبل انتشار كورونا، وتجنب المواجهة يظهر جلياً في تصريحات المسؤولين الأتراك المتناقضة والتي تسعى إلى كسب الوقت عبر التصعيد تارة والتخفيف من شدة التصريحات تارة اخرى، حيث يصرح الرئيس التركي أن بلاده مستعدة للحوار وفق ما قال إنها شروط عادلة لتقاسم الحقوق شرقي المتوسط، ثم يناقض نفسه فيقول، "تركيا تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية وسنمزق الخرائط والوثائق"، لكن فؤاد أوكطاي نائب الرئيس يرد إنه "لا غنى عن الحلول الدبلوماسية في شرق البحر المتوسط"، في تصريحات متباينة في ذات الفترة.
قد يرى البعض في تحركات تركيا الأخيرة فعلاً سياسياً يقوم على الشد والجذب، لكن المسلسل التركي أصبح مكشوفاً لدى الجميع، ونمط التفكير قصير المدى الذي تتبعه القيادة التركية لن يؤثر إلا على الداخل المحتقن بسبب التضييق في الحريات وتراجع الأوضاع السياسية
في الختام، فإن التصريحات التي يطلقها الرئيس التركي تثبت أنه لا يأبه إلا بالانتخابات، حتى وإن أدخل بلاده في نفق مظلم من العداوات أو ربما المواجهات العسكرية، وأنه يلجأ إلى كل لوسائل المتاحة بالعقلية البيروسية التي تفضل نيل انتصار وإن كان باهظ الثمن مع تكبد تكاليف مدمرة غير محسوبة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة