العالم لم يعد يعرف الطرق ذات الاتجاه الواحد، كل الطرق صار لها اتجاهان، والعلاقات بين الدول تقوم على التعاون والاعتماد المتبادل.
العالم لم يعد يعرف الطرق ذات الاتجاه الواحد، كل الطرق صار لها اتجاهان، والعلاقات بين الدول تقوم على التعاون والاعتماد المتبادل، ولم يعد هناك مكان لمن يتوهم أنه الأخ الكبير، أو أن له فضلا تاريخيا، أو أنه الأقوى والأكثر عمقا في التاريخ، أو الأكثر ضخامة في الموارد أو السكان. فلننظر إلى الصين بكل قوتها وضخامتها تتعامل مع دول صغيرة لا قيمة لها مثل قطر بمنطق الندية، والتبادل الذي يحقق مصالح الطرفين.
إن فرصة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي لن تأتي مرة أخرى في جيلنا، وقد تحدث في عهد أبنائنا، لذلك لابد من الاستفادة من هذه السنة لترسيخ علاقات تاريخية والحفاظ على استمرارها في الزمن المقبل، والوقت كالسيف إذا لم نستفد من كل ساعة في هذه السنة فلن يرحمنا التاريخ
تجربة مصر التاريخية مع أفريقيا كانت تقوم على فتح أبواب مصر للأفارقة قبل أن تطلب أن تفتح أبواب أفريقيا لمصر، كانت القاهرة هي عاصمة أفريقيا بلا منازع، وهي ليست كذلك الآن، كانت مصر قبلة الأفارقة وواحتهم وجنتهم، وهي الآن ليست كذلك، كانت جامعات مصر هي مركز تأهيل القيادات الأفريقية، وهي الآن ليست كذلك.. إلخ. حقائق لابد أن نعترف بها ونتعامل معها، ونستفيد من رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي لتستعيد مصر دورها ومكانها ومكانتها في أفريقيا، إنها الفرصة الوحيدة والنادرة أمامنا لتصحيح الأخطاء، دون أن ننشغل بلوم ومحاكمة من أخطأ، فلننظر للمستقبل، ولنستفيد من تجربة التاريخ ودروسه، ولننطلق من اليوم.
أولا: لابد من قرار جريء يفتح أبواب مصر أمام جميع الأفارقة بدون تأشيرة دخول، وإثيوبيا تفعل ذلك من زمن، حيث تمنح جميع الأفارقة تأشيرة الدخول عند الوصول، ومصر في أمسّ الحاجة لفعل ذلك الآن، خصوصا في ظل الحاجة إلى تشجيع السياحة، والأفارقة الذين يستطيعون السفر هم من القادرين على الإنفاق، وبذلك نحمي أبناء أفريقيا من المرور بتجربة مريرة تجعلهم يعرضون عن مصر ولا يفكرون في الذهاب إليها، وهي تجربة التعامل مع السفارات والقنصليات المصرية، التي ما زالت تعيش في زمن قديم تعامل كل من يطلب التأشيرة بقسوة وغلظة تنفره من السفر إلى مصر. أما الأعذار الأمنية فجميع الدول تتعامل معها دون ربطها بعذابات الحصول على التأشيرة المسبقة.
ثانيا: فتح الجامعات المصرية أمام المتميزين من طلاب أفريقيا الحاصلين على الدرجات العليا؛ لأن هؤلاء سوف يشكلون النخبة الأفريقية في المستقبل، وكونهم تعلموا في مصر سوف يربطهم بمصر، ويخلق عندهم حالة ولاء لمصر، ويجب أن يتم التعامل معهم بنفس معايير التعامل مع الطالب المصري في الجامعات الحكومية والخاصة، ولا ينظر إليهم على أنهم مصدر للدخل، فيتم التعامل معهم باستغلال مالي؛ كالذي أفقد مصر رصيدها عند الطلاب العرب، الذين هجروا الجامعات المصرية إلى الأردن أو المغرب أو أوروبا وأمريكا وأستراليا.
ثالثا: إعادة رسم مسارات خطوط الطيران للشركات الحكومية والخاصة لتغطي كل القارة الأفريقية، وتعود القاهرة مركزا يربط جميع أجزاء القارة السمراء، وهذا ليس أمرا عسيراً فمن الممكن إنشاء شركات طيران منخفض التكاليف لتغطية مختلف مناطق ومدن أفريقيا.
رابعاً: إعادة إحياء دور الأزهر في أفريقيا، والتوسع في البعثات الأزهرية إلى مختلف المدن الأفريقية، فقد تم سحب العشرات منها في فترة السبعينيات من القرن الماضي، وحلت محلها البعثات والمعاهد الإيرانية، وأصبح لجامعة الإمام الصادق الفرانكوفونية فروعا في دول أفريقية عديدة، وحان الوقت أن يعود الأزهر بمنهجه الوسطي الذي يجمع كل مذاهب المسلمين لينقذ المسلمين في أفريقيا من التطرف والتشدد في مختلف اتجاهاته وتياراته.
خامساً: عودة الكنيسة القبطية إلى شرق أفريقيا، فوجودها التاريخي في إثيوبيا الذي استمر منذ الميلاد حتى عام 1968 حين استقلت الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة المصرية، ومن الممكن العودة بطريقة أخرى لتقوية أواصر التعاون مع إثيوبيا وجوارها، حيث الوجود القبطي تاريخي أصيل هناك.
سادساً: العمل على تقوية ودعم أو إنشاء اتحادات مهنية أفريقية، تنتشر في مختلف أنحاء القارة، ويمكن جذب العديد منها ليتخذ من القاهرة مقراً له، وهذا سوف يخلق روابط على مستوى مؤسسات المجتمع المدني أكثر استدامة وأعمق تأثيراً.
سابعاً: إطلاق محطات تلفزيونية وإذاعية باللغات الأفريقية الكبرى، والعمل على أن تكون هذه المحطات ذات مصداقية وجاذبية، تمثل قوة ناعمة حقيقية لمصر، ولعله من السهل أن ينشأ إعلام مصري موجه للخارج أكثر من الإعلام الداخلي الذي تسيطر عليه قيم الربح والتجارة، والتوظيف السياسي.
من خلال هذه المحاور السبعة ستعود أفريقيا إلى مصر، ومعها تعود مصر إلى أفريقيا، لأنه من المستحيل أن تسير العلاقة في اتجاه واحد، فبدون عودة أفريقيا إلى مصر، لن تعود مصر إلى أفريقيا، وستظل على حالتها التي غرقت فيها فيما بعد سبعينيات القرن الماضي.
إن فرصة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي لن تأتي مرة أخرى في جيلنا، وقد تحدث في عهد أبنائنا، لذلك لابد من الاستفادة من هذه السنة لترسيخ علاقات تاريخية والحفاظ على استمرارها في الزمن المقبل، والوقت كالسيف إذا لم نستفد من كل ساعة في هذه السنة فلن يرحمنا التاريخ.
نقلا عن "الأهرام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة