لماذا اتخذت مصر طريق تنظيم النسل؟.. خبير يكشف لـ"العين الإخبارية"
حملات إعلامية ضخمة شنتها مصر، مؤخرا، لتنظيم الأسرة ومواجهة المشكلة السكانية التي باتت تلتهم ثمار التنمية التي تجاهد الحكومة لتحقيقها.
وانطلقت الحملات بعد حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال افتتاحه أحد المشروعات الخدمية، عن الزيادة السكانية وكيف تؤثر سلبا على كافة القطاعات، معتبرا أن "أكثر من طفلين مشكلة كبيرة جدا".
وطالب الرئيس المصري بضرورة الانتباه لمشكلة الزيادة السكانية، موضحا أن الدولة تسعى لحلها عبر برنامج وليس من خلال إصدار قوانين حادة، معتبرا أن 400 ألف مولود جديد سنويا يعد المعدل الأمثل للزيادة السكانية.
وبلغ تعداد مصر نحو 101.543.758 نسمة، طبقا لآخر تحديث عبر الموقع الرسمي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في شهر فبراير/شباط.
ورغم أن الحكومة أطلقت على مدار 60 عاما حملات عدة للتوعية بأهمية تنظيم الأسرة، لكن الأخيرة تكتسي بأهمية خاصة، كونها خرجت بعد توقعات صادمة لجهة رسمية بشأن عدد السكان خلال الفترة المقبلة.
وكشف الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، خلال شهر يناير الماضي، عن دراسة أعدها بشأن توقعاته لتعداد السكان خلال 30 عاما مقبلا، أظهرت كسر مصر حاجز 191.3 مليون نسمة في عام 2052.
"العين الإخبارية" تحاور الخبير الدكتور عمرو حسن، أستاذ مساعد النساء والتوليد والعقم بمستشفى قصر العيني ومقرر المجلس القومي للسكان السابق في مصر، بشأن طبيعة المشكلة السكانية التي تواجهها الدولة، وملامح خطة تنظيم النسل.
الزيادة السكانية تمثل مشكلة كبيرة لمصر. لماذا؟
المد السكاني هزم كل تنبؤات المختصين وتخطى كل التقديرات للنمو الفعلي بصورة صارخة. ووفقا لأهداف الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية (2015 - 2030)، كان من المفترض أن يصل عدد سكان مصر في عام 2020 إلى 94 مليون نسمة.
لكن ما حدث أن عدد سكان الدولة بلغ 101 مليون نسمة في 3 أكتوبر 2020، بواقع 7 ملايين نسمة زيادة عما كان مخططا له، ما يستوجب معه إطلاق جرس الإنذار بضرورة تضافر جهود الدولة وتبني سياسة تنظيم النسل.
وهنا يستوجب الإشارة إلى أن الزيادة السكانية غير المنضبطة تجهض التنمية، وتجعل المواطن البسيط لا يشعر بثمار التنمية، لذا من المهم إحداث توازن بين النموين الاقتصادي والسكاني.
كم عدد مواليد مصر سنويا تقريبا؟
تشهد مصر ولادة نحو 2.3 مليون طفل سنويا، وهذا الرقم الضخم يمثل نصف مواليد قارة أوروبا سنويا تقريبا، بل إن عدد سكان مصر زاد خلال آخر 7 سنوات فقط نحو 15 مليون نسمة.
ومنذ أكتوبر 2020 حتى فبراير 2021 بلغت الزيادة السكانية في مصر نصف مليون نسمة خلال 4 أشهر فقط.
وطبقا لأرقام مكتب المرجع السكاني، فإن عدد سكان مصر خلال الفترة من 2018 إلى 2050 كان من المفترض أن يزيد بنحو 69.5 مليون نسمة.
وبهذا الرقم تصبح مصر سابع أعلى دولة في العالم تحقق زيادة سكانية خلال المدة الزمنية المذكورة، ويقفز ترتيب مصر من حيث عدد السكان من المركز 14 إلى 11 عالميا.
لماذا اتخذت مصر طريق تنظيم النسل وليس تحديده؟
المجتمع المصري لديه عاداته وتقاليده وثوابته الدينية التي ترفض فكرة تحديد النسل أوالإجهاض كوسائل لتنظيم الأسرة، رغم أنها من الوسائل التي استخدمتها الدول التي نجحت في مواجهة المشكلة السكانية مثل الصين.
لكن نحن نتحدث عن تنظيم النسل لأنه جائز شرعا بل ضرورة واجبة في حالة مصر، لأن القضية السكانية تمس الأمن الفكري والقومي والاقتصادي والصحي، والأخذ بالأسباب لإعلاء مصلحة الفرد والوطن من أهم مقاصد الشريعتين الإسلامية والمسيحية.
كيف يمكن لمصر الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة؟
مصر تدرس التجارب الناجحة التي طبقتها الدول الأخرى في مواجهة المشكلة السكانية مثل تجربة الصين، مع الحرص على الاستفادة منها بما يتوافق مع ثقافتنا.
بالنظر إلى تجربة الصين، نجدها شنت حملة تحت شعار "أجل.. طول.. قلل"، بمعنى تأجيل الزواج ليكون الطرفان في أواخر العشرينات، وإطالة الفترة بين إنجاب الأطفال، وإنجاب عدد قليل من الأطفال فى حدود طفلين للأسرة مثلاً.
وهذه الفكرة لا يوجد ما يمنع من تطبيقها في مصر وإطلاق حملة تخاطب الشباب تتضمن عدة رسائل، الأولى تركز على توضيح أهمية تأجيل الزواج حتى يكون الشاب قادراً على تحمل مسؤوليات الزواج وما بعده، سواء بتوفر القدرة المالية أو النفسية التي تعينه على المسؤولية.
أيضا تركز هذه الحملة على فوائد تأجيل الزواج بالنسبة للفتاة، إذ يمكنها من حقوقها المشروعة في المجتمع كالحق في التعليم والحق في تنمية قدراتها، وكذلك الاختيار الواعي لشريك الحياة دون إجبار، إضافة إلى الحق فى ضمان تكافؤ الزواج وبناء علاقة أسرية سوية.
هذا بخلاف تزايد المخاطر الصحية للفتيات المتزوجات في سن مبكرة، إذ يكثر الإجهاض ومشاكل الحمل والولادة بين الفتيات المتزوجات في عمر مبكر، إضافة إلى تزايد نسب الطلاق للمتزوجين في سن صغيرة.
وماذا عن الرسالة الثانية التي يمكن استخلاصها من التجربة الصينية؟
فحوى الرسالة الثانية التي وجهت للشباب هي "طول"، بمعنى إطالة الفترة بين إنجاب الأطفال أو ما يسمى بـ"المباعدة"، التي تمنح الزوجان الوقت الكافي لرعاية الأبناء وتنشئتهم بشكل سليم.
ومن مزايا المباعدة بين إنجاب الأطفال تخفيض عدد وفيات الرضع والأمهات، وتخفيض معدلات التقزم والسمنة والأنيميا والتوحد، إضافة إلى عدم إنهاك المرأة جسدياً ونفسياً.
والرسالة الثالثة؟
مضمون الرسالة الثالثة "قلل"، وتعني إنجاب عدد قليل من الأبناء ويفضل طفلين فقط، ما يساعد الوالدين على منحهما تربية جيدة وتعليما أفضل وصحة وتحقيق الاتزان النفسي لهما.
والغرض من الرسائل الثلاثة إنجاب عدد قليل من الأبناء تعيش حالة من الاستقرار والطمأنينة والفهم والرقي، أفضل من إنجاب كثير من الأبناء ولكن كـ"غثاء السيل"، كما أخبرنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
كيف يمكن تعزيز جهود مواجهة المشكلة السكانية في مصر؟
بإحداث ما يسمى بـ"الهبة الديموغرافية"، أي انخفاض معدلات الإنجاب ما يرفع نسبة السكان في الشريحة العمرية (15 – 64)، ما يؤدي إلى انخفاض معدل الإعالة الديموغرافية حيث يزداد نصيب الفرد من الناتج المحلي، وهذا يساعد على تحقيق مستوى معيشي أفضل للسكان.
وتشير نتائج التعدادات المتعاقبة إلى أن مصر على أعتاب الهبة الديموغرافية، لكن الاستفادة من هذه الفرصة يتطلب الحفاظ عليها وإحداث مزيد من الانخفاض في معدل الإعالة.
إقناع الأزواج بالاكتفاء بطفل أو اثنين صعب. كيف يمكن ذلك؟
دائما أقول إننا في مهمة لزيادة الوعي، نستهدف من خلالها تعديل المفاهيم المغلوطة، مثل اقتناع البعض بأفضلية إنجاب الولد عن البنت ما يدفعهم لتكرار الإنجاب حتى يرزقوا بالولد، لذا فنحن في حاجة إلى اقتلاع ثقافة التمييز من المجتمع المصري وخلق جيل يري أن الولد مثل البنت.
ومن المهم إقناع الأزواج بإنجاب طفلين فقط أيا كان نوعهما، وهذا يتطلب خطابا دينيا معاصرا يوازيه خطاب إعلامي يوضح أن إنجاب اثنين فقط أفضل من 5 و6، حتى يتلقيان أفضل تعليم وتربية ويحصلان على حقوقهما كاملة.
ولتحقيق ذلك يجب تفعيل أمرين في غاية الأهمية، الأول مضاعفة الطلب على خدمات تنظيم الأسرة، والثاني تحسين هذه الخدمات.
كيف يمكن زيادة الطلب على خدمات تنظيم الأسرة؟
نستطيع تحقيق ذلك عبر 5 وسائل هي:
الإعلام
إذ يتعامل مع القضية باعتبارها موسمية يتذكرها عندما يتحدث عنها رئيس الجمهورية، لذا لا بد أن يهتم بالحديث عنها طول الوقت، مع التركيز على خطورة الزيادة السكانية وكيف تلتهم التنمية.
أيضا من المهم أن يتطرق دائما لوسائل منع الحمل ويطمئن النساء بشأن أمانها ويرد عن كل الشائعات ويجيب عن تساؤلات السيدات خاصة ما يقلقهم؛ لتتشجع وتأخذ الوسيلة.
التعليم
يتطلب أمرين الأول يتعلق بالقضاء على أمية الفتيات والنساء كون هذا يسهم في رفع سقف طموحهن ويكون لديها اهتمامات أخرى غير الإنجاب المتكرر، على رأسها العمل.
الأمر الثاني يتعلق بتضمين مناهج سكانية بمراحل التعليم الجامعي وما قبل الجامعي، ما يخلق جيلا مقتنعا بأهمية تكوين أسرة صغيرة.
الدين
سلاح فاعل في هذه القضية من خلال تناولها بشكل دائم سواء في وسائل الإعلام أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن التركيز على الفتاوى الصريحة والواضحة في هذا الشأن وتوضيح وجوبية تنظيم النسل في مصر حاليا نتيجة ضغط مشكلة الزيادة السكانية على الدولة.
أيضا من المهم تبني وزارة الأوقاف خطابا دينيا معاصرا يوضح أهمية إنجاب طفلين فقط والفوائد التي تعود على الجميع، مع مضاعفة رقابتها على كل المساجد لضمان تركيز أئمة الجوامع والزوايا حتى في أفقر القرى على هذه القضية والتوعية الدائمة بها.
تمكين المرأة
وهذا يحدث بعد تعليم الفتيات والنساء وعملهن، مع تبني ثقافة إطلاق المشروعات الصغيرة خاصة للسيدات في القرى، على أن تكون مشروطة بمشاركة الزوجات الملتزمات بإنجاب طفلين فقط.
الحوافز الإيجابية
لا بد من إصدار حزمة من التشريعات التي تشجع النساء على تنظيم الأسرة والاكتفاء بطفلين عبر مجموعة من الحوافز لمن يلتزم، مثل زيادة نقاط التموين لهم، أو مكافأة السيدة بعد سن 45 عاما بمبلغ مالي وهكذا.
aXA6IDMuMTUuMjM5LjUwIA== جزيرة ام اند امز