فور انتهاء حكم الرئيس مبارك لمصر في فبراير/شباط 2011، اندفعت جماعة الإخوان بلا روية ولا أي نوع من التفكير المتعقل، نحو الاستيلاء السريع على حكم مصر.
قامت الجماعة بذلك بعد أن أغوتها بهذا قدراتها التنظيمية الهائلة المتوارثة عبر عقود طويلة على الحشد والحركة، وكذلك الوهن البالغ الذي اتسمت به مختلف القوى السياسية المصرية بالمقارنة معها.
في ضوء هذا قررت الجماعة إسقاط وإلغاء شعار "المشاركة" الزائف، الذي لطالما أعلنته وغازلت به تلك القوى لثلاثين عاماً في كل الانتخابات العامة، وتبنت سلوك "المغالبة" بلا تردد ولا مواربة في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، لتحصد مع حلفائها من بين السلفيين وجماعات الإرهاب، الأغلبية الكاسحة فيهما. واندفعت قيادة الجماعة بعدها بسرعة أكبر فور حلول انتخابات رئاسة الجمهورية، للسيطرة على القصر الرئاسي، بحيث تبدأ بعدها ودون حاجة إلى استخدام العنف، بل فقط بسلطات الحكم التي تم الاستيلاء عليها، في تطبيق رؤيتها على مصر المجتمع والدولة، انطلاقاً من القول المتبنى دوماً من الجماعة وغيرها من الجماعات المماثلة، والمنسوب لعثمان بن عفان (رضي الله عنه): "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
وقد بدا واضحاً في استيلاء الجماعة السريع والمتتابع على السلطة التشريعية ثم رأس الحكم والسلطة التنفيذية في مصر، أننا إزاء تطبيق حرفي للمنهج "الانقلابي الديمقراطي"، الذي يفضي إلى السيطرة على أجهزة الدولة وجميع مفاصلها عبر صندوق الانتخاب، واعتراف العالم، مما يضع "الانقلاب" الفعلي في صورة تطور "ديمقراطي" شكلاً.
ولقد كان لمنهج المسارعة أو الانقلاب من قمة الدولة عبر منصب الرئاسة، الذي تولاه لأول وآخر مرة في تاريخ مصر إخواني، أو ما سمي سياسياً وشعبياً "أخونة" أجهزة الدولة وتشكيلات المجتمع، الدور الأكبر في ثورة المصريين على حكم الإخوان، وخروجهم الكثيف التاريخي لإسقاطه في ثورة 30 يونيو/حزيران 2013. وببدء اعتصامات الإخوان وحلفائهم من جماعات الإرهاب بميداني رابعة العدوية بالقاهرة والنهضة بالجيزة قبل نهاية يونيو/حزيران 2013، اتضح أن الجماعة قد دلفت إلى مرحلة الإعلان المباشر عن رؤيتها الدينية العنيفة، واعتبارها المعركة السياسية الدائرة مع غالبية المجتمع المصري ومؤسسات الدولة، معركة دينية بامتياز بين من تزعم أنهم "انقلابيون" أعداء للإسلام من كفار ومرتدين، وبين "العصبة المؤمنة" التي يمثلها الإخوان وتحالفهم الذي خرج من قلب رابعة والنهضة.
ولم يكن غريباً في ظل هذا، أن تخطو الجماعة ومعها هؤلاء الحلفاء نحو العنف والإرهاب، وأن تغرق وعديد من تشكيلاتها خلال السنوات التالية في ممارسة العنف والإرهاب بكل صوره من تفجيرات واغتيالات وهجمات، مفصحة دون رتوش عن رؤيتها الدينية المتطرفة التي تعتبر استخدام العنف والإرهاب السبيل الوحيد لما تراه نصرة للإسلام، وإعادة الذين تعتبرهم "المارقين منه والمحاربين له" إلى حظيرته عنوة، عبر الاستيلاء من جديد على حكم مصر.
وبانخراط الجماعة وتشكيلاتها العلني غير المسبوق في ممارسات العنف والإرهاب، أطاحت في فترة وجيزة بالفكرتين الرئيستين اللتين سعت منذ تأسيسها لترويجهما بين عموم الناس والنخب: الأولى أنها جماعة وسطية سلمية متدرجة تقبل بالديمقراطية والانتخابات وسيلة، والأخرى أنها عبر هذا سوف تصل إلى تأسيس وحكم "الدولة الإسلامية" الحقيقية التي غابت عن العالم والمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924.
وخلال العقود المتتالية التي انتشرت فيها منذ تأسيسها فروع الجماعة في عشرات من دول العالم، ظل الإخوان حريصين طوال الوقت، خاصة مركزهم الرئيسي وقيادتهم في مصر، على إظهار التمسك العلني بهاتين الفكرتين، اقتناعاً منهم بأن هذا هو الطريق الوحيد الممكن للوصول إلى الحكم ومن بعده "أستاذية العالم" بحسب تعبير مؤسسهم حسن البنا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة