دبابات إسرائيل تخترق «كامب ديفيد» في فيلادلفيا.. ومصر تحذر من «حافة الهاوية»
مشاهد مفاجئة تناقلتها وكالات الأنباء لدبابات إسرائيلية في معبر رفح الرابط بين غزة ومصر، حركت تساؤلات حول تأثير ذلك على اتفاقية السلام.
وفي وقت سابق اليوم، أعلن الجيش الإسرائيلي، سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، بعد ليلة من القصف العنيف على رفح.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي صباح اليوم الثلاثاء "في الوقت الحالي، هناك قوات خاصة تفتّش معبر" رفح، "لدينا سيطرة عملياتية على المنطقة والمعابر الأخرى ولدينا قوات خاصة تقوم بمسح المنطقة"، مضيفا: "نحن نتحدث فقط عن الجانب الغزاوي من معبر رفح".
ووزّع الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو يظهر دخول دبابة إسرائيلية المعبر وعليها علم إسرائيلي وتتقدّم في المنطقة الخالية.
وفي بيان لوزارة الخارجية المصرية ودعت القاهرة الجانب الإسرائيلي إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى، والتي من شأنها أن تهدد مصير الجهود المضنية المبذولة للتوصل إلى هدنة مستدامة داخل قطاع غزة".
كما طالبت مصر جميع الأطراف الدولية المؤثرة بالتدخل وممارسة الضغوط اللازمة لنزع فتيل الأزمة الراهنة، وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية لتحقق نتائجها المرجوة.
"تهديد غير مباشر"
وحول ما يمثله ذلك بالنسبة لاتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل في سبعينيات القرن الماضي، أكد اللواء دكتور سمير فرج الخبير العسكري المفكر الاستراتيجي المصري لـ"العين الإخبارية" أن العملية الإسرائيلية اليوم في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، "تخل بشكل واضح ببنود اتفاقية السلام".
وأوضح أن ما تقوم به إسرائيل اليوم من احتلال معبر رفح، هو اختراق لاتفاق السلام بين مصر وإسرائيل؛ لأنه يحمل تهديدا غير مباشر للأمن القومي المصري.
وأشار إلى أن ما حدث يدفع مصر لكي تتخذ الإجراءات القانونية طبقا للاتفاقية، التي تحدثت عن التهديد المباشر وغير المباشر لمصر، مضيفا أن "ما يحدث اليوم هو تهديد غير مباشر".
إزاء ذلك، أكد فرج أن "من حق مصر القانوني المطالبة بتجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل مع ما سيترتب على ذلك من آثار".
وقال إن "ما يحدث يهدد أيضا وصول المساعدات الإنسانية لسكان غزة، لأنه يمنع مرور الشاحنات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني سواء الشمال أو الجنوب، بعد غلق معبر كرم أبوسالم الواصل بين إسرائيل وقطاع غزة".
وأرجع فرج التحركات الأخيرة في رفح، إلى "رغبة إسرائيل في الضغط على حماس للقبول بما تريده إسرائيل وتقديم تنازلات أكثر على بشأن مفاوضات الهدنة".
الخبير العسكري المصري، أكد أن "مصر قادرة على حماية أراضيها واتخاذ ما يلزم للحفاظ على أمنها القومي، وقال إن "الجيش المصري أقوي جيش في المنطقة وقادر على حماية أرضه وحدوده".
وتستند القاهرة في موقفها إلى مضمون البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية كامب ديفيد، والمعروف بـِ"اتفاقية فيلادلفيا" التي تسمح بتواجد أمني وعسكري محدود في المنطقة الحدودية، وتنص على أن كل انتشار أو تحرك لوحدات عسكرية في تلك المنطقة، يجب أن يحصل على موافقة الطرف المقابل المسبقة.
ويطلق اسم محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، على شريط يمتد على الحدود بين مصر وقطاع غزة، ويقع ضمن المنطقة "د" العازلة بموجب اتفاقية السلام، ويمتد المحور من البحر المتوسط شمالا إلى معبر كرم أبو سالم جنوبا، بطول نحو 14 كيلومترا.
"غير سارية"
بدوره، اعتبر الخبير العسكري المصري اللواء نبيل أبوالنجا، أن ما حدث من إسرائيل "يعد تصعيدا خطيرا واختراقا لمعاهدة السلام".
وقال أبو النجا لــ"العين الإخبارية" إن المنطقة "د" التابعة لاتفاقية كامب ديفيد، حدودها واضحة، مضيفا أن "احتلال محور فيلادلفيا، يعد خرقا واضحا للاتفاقية".
وأضاف أن هذا "يجعل الاتفاقية غير سارية ومن حق القوات المسلحة أن تؤمن الحدود المصرية تأميناً كبيراً، وأي اقتراب يوحي بتصعيد خطير بالمنطقة".
أبو النجا تابع حديثه قائلا إن "اتفاقية السلام تسمح بنشر قوات محدودة في ذلك المحور بالتنسيق بين البلدين، بهدف القيام بدوريات لمنع التهريب والتسلل والأنشطة الإجرامية"، مشيرا إلى أن المنطقة "د" تشمل كذلك الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر.
وأوضح أن محور فيلادلفيا وكذلك منفذ رفح من الجانب الفلسطيني يقعان ضمن المنطقة "د"، والملحق الأول للاتفاقية يسمح بتواجد قوة عسكرية إسرائيلية محدودة ومراقبين من الأمم المتحدة، على ألا تتضمن القوة أي تواجد للدبابات أو المدفعيات أو الصواريخ.
وأشار إلى أن اتفاقية السلام تنص على أن كل طرف يتعهد بالامتناع عن التنظيم، أو التحريض، أو الإثارة، أو المساعدة، أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية، أو النشاط الهدام، أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان".
وقال إن "إسرائيل لديها قناعة مزيفة بأن السلاح يهرب لقطاع غزة من الحدود مع مصر، مع إخفاء الأسرى هناك أيضا، وهذا غير حقيقي".
وحول رد مصر المحتمل، دعا اللواء أبوالنجا القيادة المصرية لسرعة التحرك وتحذير الجانب الإسرائيلي من التصعيد الخطير بالمنطقة والتراجع إلى ما بعد المنطقة "د".
عقوبات
بدوره، قال المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية بمصر، اللواء عادل العمدة، إن كامب ديفيد حددت الحدود المختلفة للاتفاقية مناطق "أ- ب – ج- د" كل واحدة لها خصائص من إعداد الجنود وتشكيلهم وشكل الأسلحة المتواجدة.
وأوضح العمدة، في حديث لــ"العين الإخيارية"، أنه عند خرق لأي بند من بنود الاتفاقية يتم رصد ذلك من قبل عناصر القوة متعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء " mfo " المتواجدة في المنطقة ج و د، لافتا إلى أنهم يجتمعون بنهاية كل شهر والاتفاق على توقيع عقوبات على القوات المخترقة.
وأشار العمدة إلى أن تلك القوات ترصد اختراق القوات والجنود والآليات وهي من بنود اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، موضحاً أن أي تحرك مخالف للبنود يعد خرق ويوجد نظام وعقوبات مختلفة التدرج على قوات البلد المعتدية.
وأكد أن "وصول الدبابات لهذه النقطة اختراق لبنود الاتفاقية بحجه أنها تبحث عن أذرع حماس بالمنطقة"، لافتا إلى أن "تلك الذريعة لن تقبلها مصر".
وشدد على أنه "رغم إعلان إسرائيل اقتحام الحدود صباح اليوم إلا أنها لم تقدم أي نجاح يذكر في أهدافها على أرض الواقع فيما يتعلق بهذا الموضوع وخاصة تحرير الرهائن والقضاء على حماس".
المنطقة "د"
أما الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أحمد فؤاد أنور، فاعتبر أن "ما حدث من تصعيد إسرائيلي صباح اليوم خطر حقيقي لأول مرة منذ فض الاشتباك الثاني سنة 1974 حيث باتت الحشود العسكرية على بعد أمتار من بعضها".
وأضاف أنور في حديث لــ"العين الإخبارية" أن "الاتفاق قسم جانبي الحدود إلى مناطق "أ" و"ب" و"ج" و"د" يختلف تواجد القوات وتسليحها من منطقة لأخرى"، لافتا إلى أنه "بموجب الاتفاقية فإن مدينة رفح الفلسطينية تقع ضمن المنطقة "د"، بالإضافة إلى توفير الحد الأقصى من الأمن لكلا الطرفين، بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية".
وأوضح أن "وصول الدبابات الإسرائيلية حتى الجانب الفلسطيني من معبر رفح يعد خرقا واضحا لاتفاقية كامب ديفيد والتي يجب أن تكون المنطقة "د" منطقة بدون أسلحة ثقيلة"، مشيرا إلى أن "الجانب الإسرائيلي يعمل على التصعيد ورفض أي صياغة لوقف الحرب وتركها أكثر غموضا".
وتابع: "الجانب الإسرائيلي ارتكب جريمة كبرى سواء بتخطي الاتفاقية مع مصر ومنع المساعدات والتي أقرتها المحكمة الدولية ومجلس الأمن"، موضحا أن "مصر لديها مخاوف مشروعة بعد اقتراب المعدات الحربية الثقيلة من الجانب المصري، بالإضافة إلى الضغط على المدنيين الفلسطينيين مما يهدد بإشعال المنطقة".
وشدد على أن "هناك ضغطا مصريا متواصلا لوقف التصعيد وإنهاء القتال وانسحاب القوات الإسرائيلية، بالإضافة إلى ضغط داخلي على حكومة نتنياهو عبر مظاهرات عائلات الأسرى التي لم يتم إنقاذ أحد منها حتى الآن".
وأشار إلى أن "ذلك التصعيد من الممكن يؤدي إلى انعكاسات خطيرة بوقوع اشتباكات ثقيلة في المنطقة القريبة من مصر مما يجعل التحرك الإسرائيلي نار تشعل المنطقة ككل في ظل أزمات مع الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان".
رغبة في الضغط لإنهاء التفاوض
من جانبه، رأى خبير الشؤون العربية الإسرائيلية، ياسر طنطاوي، أن إسرائيل تصعد باتجاه اتفاقية السلام لإظهار بطولات زائفة.
وأضاف طنطاوي في حديث لــ"العين الإخبارية" أن "التصعيد الإسرائيلي يتحجج بوجود الأسرى في تلك المنطقة"، لافتا إلى أن "الهدف منها أيضا هو تحسين الموقف التفاوضي بالصفقة بعد موافقة حماس مساء الإثنين، وإجبارها على القبول بشروط حكومة بنيامين نتنياهو المتعلقة بالتهدئة في غزة".
وشدد على أن "إسرائيل لا تلتزم بأي اتفاقيات سواء مع حماس ولكن رغبتها في تحسين صورة الجانب الإسرائيلي بالحصول على تنازلات أكثر من حماس"، لافتا إلى أن "التوافق بين الوسطاء لو حدث سيؤدي إلى إلغاء جميع التحركات العسكرية الإسرائيلية في رفح".
انتهاك صارخ
وفي السياق ذاته، أكد أستاذ القانون الدولي، محمد محمود مهران، أن "الاجتياح الإسرائيلي الأخير لمدينة رفح الفلسطينية والسيطرة على معبرها البري يمثل انتهاكًا صارخًا لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، كما أنه يقوض بشكل خطير الجهود المبذولة لتثبيت وقف إطلاق النار والتوصل لتهدئة مستدامة في المنطقة".
وأوضح مهران، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أن "هذا العدوان ينطوي على خروقات جسيمة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المكفولة في المواثيق الدولية، فضلًا عن كونه يتعارض مع نصوص اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979 وملحقاتها الأمنية، لا سيما تلك المتعلقة بحظر استخدام القوة وإقامة مناطق منزوعة السلاح على الحدود المشتركة".
ولفت إلى أن "مصر يمكنها ممارسة حقها المشروع في تجميد العمل بمعاهدة السلام أو حتى الانسحاب منها وفقًا للأعراف الدولية"، مشيرًا إلى أن "الاجتياح البري لرفح لا يقوض فقط فرص التسوية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإنما أيضًا يهدد الأمن القومي المصري عبر محاولات تهجير سكان غزة وتحويل الحدود لساحة مواجهة".
aXA6IDMuMTQ1LjM0LjIzNyA=
جزيرة ام اند امز