مصر.. مواجهة مرتقبة بين البرلمان والقضاء

الشارع السياسي في مصر يترقب مواجهة متوقعة بين السلطتين التشريعية (البرلمان) والقضائية خلال الأيام المقبلة
يترقب الشارع السياسي في مصر مواجهة متوقعة بين السلطتين التشريعية (البرلمان) والقضائية، خلال الأيام المقبلة؛ بسبب مشروع قانون مقدم من نحو 60 نائباً فأكثر بشأن الهيئات القضائية، يتيح بموجبه لرئيس الجمهورية اختيار رئيس كل هيئة من بين 3 من أعضائها، بعكس المعمول به حالياً وهو الاختيار بـ"الأقدمية".
مراقبون أكدوا أن مشروع القانون سينال "رفضاً قاطعاً" من قبل القضاء؛ لوجود تداخل من قبل السلطة التنفيذية التي يمثلها الرئيس في أعمال السلطة القضائية، وقللوا من إمكانية قيام البرلمان بتمرير هذا المشروع دون موافقة القضاء لتلافي الدخول في منطقة صراع غير محسومة نتائجها.
اللجنة التشريعية بمجلس النواب، عقدت اجتماعاً طارئاً، يوم السبت الماضي 25 ديسمبر؛ لمناقشة مشروع قانون الهيئات القضائية وهي: مجلس القضاء الأعلى، ومحكمة النقض، والنيابة الإدارية، ومجلس الدولة، وهيئة قضايا الدولة.
وخلال الاجتماع طلب ممثل الحكومة المستشار مجدي العجاتي، وزير الدولة للشؤون القانونية إرسال مشروع القانون إلى الهيئات القضائية التي يتعرض لها هذا المقترح، ووافقت اللجنة على طلب العجاتي، وأمهلت الهيئات القضائية 10 أيام فقط للدراسة وإرسال مقترحاتها إلى البرلمان.
قال النائب أحمد حلمي الشريف، وكيل اللجة التشريعية، وأحد مقدمي مشروع القانون، وعضو بائتلاف "دعم مصر"، لـ"العين"، إن هذا المشروع ليس به "تغول" على السلطة القضائية، ولكنه "ضمانة" حقيقية لعملها و"دعم" لاستقلال القضاء، وتطبيق لحكم الدستور.
النائب علاء عبد المنعم، القيادي بائتلاف "دعم مصر" أكد أن مشروع القانون المقدم الخاص بالهيئات القضائية "سيواجه عقبات" لأن القضاء المصري له قواعد راسخة على مدار السنوات الماضية، تتعلق بأن يتولى أقدم أعضاء هذه الهيئات رئاستها، وأضاف أن مشروع القانون المقدم سيواجه بالرفض من قبل القضاء، مشيراً إلى أن القوانين الحالية للقضاء لا تتعارض مع الدستور.
من جانبه أكد النائب ضياء داود عضو تكتل 30-25 (ممثل المعارضة في البرلمان ) لـ"العين" أن من القراءة الأولية لمشروع القانون المقدم؛ يتبين أنه "سيحظى" برفض من قبل الهيئات القضائية، باعتباره "تغولاً من السلطة التنفيذية على أعمال السلطة القضائية"، حتى ولو كانت النصوص الظاهرية لمواد القانون تشير إلى أن الهيئات هي من ستقوم بترشيح 3 من أعضائها يختار من بينهم رئيس الجمهورية.
وأضاف أنه إذا كانت هذه المرحلة بها "توافق" بشأن رئيس الجمهورية، إلا أنه في المستقبل لا نعلم شخص رئيس الجمهورية الجديد، فضلاً عن أن السلطة التشريعية لا تصدر تشريعات لرئيس جمهورية في فترة زمنية محددة، لافتاً إلى أنه في حال وقوع خلاف بين الرئيس والقضاء، سيختار من هم ليسوا على هوى السلطة القضائية.
وفي حال رفض أو امتناع الهيئات القضائية عن إرسال مقترحاتها للبرلمان بشأن مشروع القانون قبل انتهاء مهلة الـ10 أيام الممنوحة لها من قبل اللجنة التشريعية، قال ضياء إن رأي الهيئات القضائية "استشاري" فقط وليس "إلزامياً"، ولكن "لا أظن" أن مجلس النواب سيتجه لإقرار تشريع على غير رغبة السلطة القضائية.
وأشار إلى أن القانون الحالي يتيح للهيئات القضائية اختيار رئيسها من بين أقدم أعضائها، ورئيس الجمهورية هو مجرد جهة إصدار لما يتوافق عليه هذه الهيئات، ولكن من خلال المشروع الجديد المقترح سيكون باختيار 3 أعضاء -أياً كانوا- وإرسال أسمائهم لرئيس الجمهورية.
وتنص المواد 184 و185 و186 على استقلالية السلطة القضائية، سواء فيما يتعلق بأنشطتها وموازنتها، فضلا عن حصانتهم من العزل من جانب السلطة التنفيذية.
وكان العام المنصرم قد شهد مرتين توترا بين المؤسستين التنفيذية والقضائية، على خلفية رفض مجلس القضاء الأعلى السماح للجهاز المركزي للمحاسبات، وهي هيئة تتبع الرئيس المصري وتقوم بدور رقابي الى جانب البرلمان، ومراقبي ومندوبي الحسابات التابعين لوزارة المالية بالاطلاع على رواتب القضاة وأعضاء النيابة العامة بل وأصدر المجلس تعميمًا يحظر فيه إطلاع موظفي الجهاز على رواتب القضاء، وكذلك الأمر بالنسبة لمراقبي ومندوبي الحسابات التابعين لوزارة المالية في أغسطس الماضي، وذلك على الرغم من أن الدستور لا يعفي أي جهة كانت بالدولة من الخضوع للرقابة المالية.
الجدير بالذكر ان التجاذبات بين السلطة التنفيذية ونظيرتها القضائية ليست وليدة اللحظة، فالبعض يرى ان الصراع بين الطرفين يعود لسنوات طويلة.
فقد شهدت فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر صراعا محتدما بين الفقيه الدستوري ورئيس مجلس الدولة آنذاك، عبد الرزاق السنهوري، ومؤسسة الرئاسة، بسبب إصرار السنهوري على ضمان وجود سلطة قضائية محايدة ومستقلة، إلا أن عبد الناصر عزله من منصبه ونجح في إصدار قانون سلطة قضائية سياسي.
كما تكرر الصراع بين عبد الناصر والقضاة عام 1969 فيما عرف بـ "مذبحة القضاة" التي من خلالها استطاع الأول تصفية القضاة المعارضين وإقصائهم.
ورغم محاولات إصلاح العلاقة بين الرئيس الراحل أنور السادات والقضاء بإعادته القضاة المفصولين في العهد الناصري، إلا أنهم عارضوه حينما أراد تقييد استقلال القضاء بإنشاء محاكم استثنائية، مثل محكمة القيم ومحكمة العيب، بالإضافة إلى صدام السادات مع بعض القضاة المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد، وكان أبرزهم رئيس نادي القضاة وقتذاك المستشار ممتاز نصار.
كما لم تشهد حقبة الرئيس الأسبق حسني مبارك انسجاما وتوافقا دائما بين الطرفين، حيث شهدت فترته صراعات عدة بين الرئاسة والقضاء، من أشهرها أزمة قانون السلطة القضائية عام 2006، والكشف عن تزوير الانتخابات لصالح مرشحي الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في ذلك الوقت، واعتداء الأمن على المظاهرات التي اندلعت، في حينه، دفاعا عن استقلال القضاء، علاوة على تحويل بعض المستشارين، ومن بينهم المستشاران هشام البسطويسي ومحمود مكي، إلى التحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا، ثم إلى لجنة الصلاحية لاحقا، بسبب مواقفهم المعارضة للرئاسة في موضوع استقلال القضاء.
وبلغ الامر منتهاه في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، والذي بدا حكمه بتحدي القضاء ومخالفة قوانينه، بقرار مخالف للدستور، إذ أصدر في 8 يوليو 2012 قرارًا جمهوريًا بإلغاء حكم المحكمة الدستورية العليا القاضي بحل مجلس الشعب، كما اعقبه في 22 نوفمبر 2012، اصدار إعلانًا دستوريًا مكملًا أعطى بموجبه لنفسه (مرسى) صلاحيات مطلقة بجعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن امام أي جهة كالمحكمة الدستورية، وكذلك تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بحيث لا يحل أيًا منهما كما حدث لمجلس الشعب في بداية حكمه.
كما قرر مرسي في ذلك الإعلان الدستوري، تعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار رئاسي لمدة 4 سنوات، مما ترتب عليه إقالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، واستبداله بالمستشار طلعت إبراهيم، وهو ما آثار حالة من الغضب داخل الأوساط القضائية.
لم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل قام الكثير من جماعة الاخوان المسلمين بالتجمع امام مقر المحكمة الدستورية وردّدوا هتافات مناوئة للمحكمة، واتهموا قضاتها بالسعي لـ "هدم مؤسسات الدولة المنتخبة "، وذلك على خلفية نظر المحكمة الدعاوى المقامة من عدد من المحامين ببطلان مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، واللتان كانتا المؤسستان الوحيدتان الباقيتان في يد جماعة الإخوان.