أفريقيا بين غنى الموارد وفقر الإرهاب.. تحديات مصيرية
مصر تكثف جهودها من أجل تحقيق نجاح في ملف مكافحة الإرهاب في القارة السمراء خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي
في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حذر أنطونيو جوتيرس، الأمين العام للأمم المتحدة، من خطر تنامي الإرهاب في القارة الأفريقية خاصة منطقة الساحل الأفريقي.
وخلال الاجتماع الذي عُقد تحت عنوان "السلام والأمن في أفريقيا: مركزية الدبلوماسية الوقائية ومنع النزاعات وحلها"، أكد جوتيرس أن الإرهاب يشكل تهديدا متزايدا للقارة الأفريقية بأسرها، وآثاره خطيرة على السلام والأمن العالميين.
ويعد ملف مكافحة الإرهاب أولوية على أجندة عمل مصر ودول أفريقيا بدعم عربي كبير خاصة في ظل الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي.
- خبيران: مصر وضعت خارطة طريق لـ"إسكات البنادق" بأفريقيا
- "إسكات البنادق والتنمية" على طاولة قادة أفريقيا بمصر الأربعاء
وقبل أيام استضافت مصر زعماء ورؤساء الدول الأفريقية بمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، وسجل ملف مكافحة الإرهاب في أفريقيا حضورا بارزا على جدول أعمال المنتدى والمناقشات التي عقدت على هامشه.
وخلال المنتدى قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي: "إن أفريقيا تحتاج إلى مقاربة شاملة في معالجة التحديات التي تواجه دول القارة، مبنية على التنمية المستدامة"، مطالبا الدول الأفريقية بموقف حاسم وجماعي في مواجهة الإرهاب ومن يدعمه، لكونه أبرز التحديات.
وأبدت مصر استعدادا دائما لنقل تجربتها الناجحة في ملف مكافحة الإرهاب إلى أفريقيا.
وفي تصريح سابق قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي: "إن بلاده تهتم بملف مكافحة الإرهاب في أفريقيا وتسعى لنقل خبراتها للقارة السمراء، سواء كانت من خلال المشروعات التنموية ومكافحة الإرهاب أو القيام ببعض المشروعات القومية".
في هذا السياق يرى العميد خالد عكاشة رئيس المركز المصري للفكر والدراسات أن الجهود المصرية لمكافحة الإرهاب في أفريقيا تتمحور حول دعم خطط التنمية الشاملة والمستدامة وتجفيف منابع الإرهاب ودحر الدول والجهات الداعمة له.
وأوضح عكاشة أن مصر تشارك حاليا في رئاسة مجموعة عمل "GCTF" في شرق أفريقيا مع الاتحاد الأوروبي التي تعمل على مكافحة الإرهاب في المنطقة.
واستضافت القاهرة في شهر مارس/آذار الاجتماع العام السنوي لمجموعة العمل في القاهرة، بصفتها رئيسا لمجلس السلام والأمن في الاتحاد الأفريقي، كما قدمت مصر بانتظام مناقشات حول قضايا مكافحة الإرهاب.
وفي يناير/كانون الثاني، وظفت مصر رئاستها لتنظيم قمة مكافحة الإرهاب لرؤساء الدول التي ركزت على نهج شامل لمكافحة الإرهاب. كما أعلنت مصر إنشاء مركز جديد لمكافحة الإرهاب في القاهرة لصالح مجتمع دول الساحل والصحراء لتعزيز التعاون عبر الحدود في منطقة الساحل والصحراء.
وارتبط نمو الإرهاب في العالم بعدد من المحددات أخطرها الفقر والجهل، لذلك كانت القارة الأفريقية التي تعاني معدلات مهولة من الفقر والجهل والمرض المستشري في ربوعها مناخا خصبا لتنامي ظاهرة الإرهاب على مدار عقود مضت.
ورغم كل ما تعانيه أفريقيا من أوبئة أشرسها الإرهاب، فإنها لا تزال محط أنظار القوى الاقتصادية العالمية، لأنها القارة الغنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والذهب واليورانيوم وبيئة خصبة للاستثمار.
64 تنظيما إرهابيا بأفريقيا
تحتضن القارة الأفريقية ما يزيد على 64 تنظيما وجماعة إرهابية، وجميعها لديها صلات مباشرة مع تنظيمي داعش والقاعدة إن لم تكن جزءا منهما، أبرزها "حركة شباب المجاهدين في الصومال" وجماعة "بوكو حرام في نيجيريا" و"القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي.
وتعد أبرز الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في أفريقيا: "المرابطون"، و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، و"أنصار الدين"، و"جبهة تحرير ماسينا"، و"كتيبة خالد بن الوليد" (أنصار الدين الجنوب)، في المقابل يدين بالولاء لداعش كل من "تنظيم داعش في ليبيا"، و"بوكو حرام"، و"أنصار بيت المقدس".
ويرى الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة علي بكر أن منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا لها مميزات خاصة فيما يتعلق بانتشار الإرهاب وتمثل منطقة نفوذ حيوي للقاعدة، وهو ما أدى إلى ارتفاع الإرهاب في تلك المنطقة.
وتضم منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا: ليبيا، بوركينا فاسو، مالي، تشاد، السودان، النيجر، إريتريا، جمهورية أفريقيا الوسطى، السنغال، غامبيا، جيبوتي، مصر، المغرب، تونس، نيجيريا، والصومال.
ويوضح "بكر" في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أنه بعد أن انهار تنظيم داعش في سوريا والعراق، وبعد أن وجد تنظيم داعش في الصومال بشكل ضعيف، تكاد تكون منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا هي منطقة الوحيدة التي تشهد تشاركا تنظيميا بين داعش والقاعدة.
وأضاف الباحث أن المنطقة شهدت انتشارا إرهابيا غير تقليدي، وأهم ما يميز المنطقة هو تعدد أشكال الإرهاب، كما توحدت فيها أنماط الإرهاب القبلي أو العرق وهو المتمثل في حركة تحرير ماسينا وجماعة أنصار الإسلام.
وأشار إلى أنها تنظيمات عرقية ولا تقبل بين أطيافها أي عرقية أخرى مثل "الباسينا" التي لا تقبل إلا عرقية الفولان، وهي تسعى إلى تحقيق أهداف عرقية وسياسية مثل إعادة إمبراطورات قديمة أو استعادة الحقوق لبعض الأقليات، ولكن تحت شعارات حديدة، فأخذت الصراعات العراقية صبغة دينية وشعارات جهادية.
وأوضح أن المنطقة تتسم بالتحالفات المتشابكة، فالقاعدة لها تحالفات قبلية مع الطوارق مثلا وبعض الطوائف في ليبيا ومن خلالها تتمكن من التوسع والانتشار، بجانب التحالفات بين القاعدة وعصابات الجريمة المنظمة، ومن خلالها تمكنت القاعدة من التغلغل في الطرق الرئيسية للتهريب عبر الحدود التي كان يسيطر عليها المهربون، وتعاونت معهم في تهريب المخدرات والنفط، حتى الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وهو ما جعلها تجني أموالا طائلة.
واعتبر أن تنظيم القاعدة هو الرأس الكبير في الساحل والصحراء، ويتميز بتعدد مجموعاته الإرهابية خاصة بعد أن خلق مظلة تنظيمية جمعت بين عناصر القاعدة وعناصر قبلية وهي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي أعلن عنها في مارس 2019 وجعلت للقاعدة قدرة على توجيه الضربات في تشاد ومالي وبوركينا، فالتقارير تشير إلى أن القاعدة أصبحت أخطر من داعش.
ويفسر الباحث انتشار القاعدة في القارة السمراء باعتماد التنظيم في تعزيز وجوده في الساحل على مجموعة آليات، موضحا أن القاعدة استطاعت الانتشار عن طريق الانتشار التنظيمي وليس السيطرة المكانية، اعتمادا على مجموعات متفرقة تنتشر في أكثر من منطقة دون السيطرة، وهو الخطأ الذي اعتمد عليه تنظيم داعش، واستطاعت القاعدة تنوع مصادرها التمويلية.
بوكو حرام الأكثر دموية
تصنف الدكتورة دلال محمود، مدير برنامج الأمن بالمركز المصري للفكر والدراسات، حركة بوكو حرام التي نشأت في نيجيريا منذ 10 سنوات باعتبارها الأكثر دموية في تاريخ الحركات الإرهابية.
وتقول "محمود" لـ"العين الإخبارية": "إن التنظيمات الإرهابية بمنطقة الساحل الأفريقي نشأت منذ عقدين ونمت بشكل كبير على مدار السنوات الماضية متأثرة بالانكماش والتقلص الذي لحق بتنظيمي القاعدة وداعش في سوريا والعراق، وهروب عدد كبير من قيادتها إلى غرب أفريقيا، حيث سيطرت عليها وشكلت مرتكزا جديدا لها بعيدا عن مناطق الصراع".
إسكات البنادق
في الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس الاتحاد الأفريقي، اعتمد رؤساء وزعماء الدول الأفريقية مبادرة إسكات البنادق التي تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراعات بالقارة، ومنع عودة استخدام العنف في تسويتها، مع العمل على إيجاد الظروف الملائمة لتحقيق السلام والتنمية المستدامين في جميع أنحاء القارة.
وحدد مجلس الأمن والسلم الأفريقي عدة آليات لتنفيذ المبادرة ذات مستويين، يرتبط الأول بتنفيذ المبادئ العامة للمبادرة من خلال تصفية الصراعات داخل الدول الأفريقية، وتشمل تدشين مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية وتستضيفه القاهرة بشكل دوري، وإنشاء مرفق مخصص داخل صندوق بناء السلام من أجل استمرار تدابير مراقبة الأسلحة الصغيرة.
ويعتمد الشق الثاني على الحد من انتشار وتدفق الأسلحة الصغيرة والخفيفة، ولذلك اعتمدت الخارطة على "خطة إسكات البنادق" للسيطرة على بيع الأسلحة غير المشروعة بالقارة، حتى تؤتي هذه المبادرة وباقي الجهود الأفريقية ثمارها، وتظل أفريقيا غنية بمواردها ولكن رهان التنمية يواجه التحدي الأخطر وهو تنامي ظاهرة الإرهاب.
aXA6IDMuMTQ5LjIzLjEyNCA= جزيرة ام اند امز