القاهرة وأنقرة.. "التكتيك التركي" يعوق قطار العلاقات
مر أكثر من شهر ونصف الشهر على انعقاد المباحثات "الاستكشافية" بين مصر وتركيا، لكن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تبرح مكانها.
وبدا جليا أن استكشاف مصر لم يشفِ لها الغليل، في المأمول من لقاءات القاهرة، ولم يصدر عن المسؤولين المصريين على عكس الجانب التركي تصريحات تؤكد أي تقدم.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عاد للتغزل في مصر خلال مقابلة تلفزيونية مؤخرا قائلا، إن "مصر ليست دولة عادية" وإن لدى البلدين فرصا للتعاون الجاد في منطقة واسعة من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى ليبيا.
وبنفس النبرة تحدث وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في مقابلة أخرى الخميس الماضي، عن احتمال تعيين ممثلين دبلوماسيين بين القاهرة وأنقرة في وقت قريب، على ضوء المباحثات التي تجري بينهما وتستهدف عودة العلاقات المتقطعة منذ أكثر من 10 سنوات.
لكن في المقابل، لم تصدر القاهرة أي تصريحات رسمية بشأن عودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين؛ بل صرح وزير الخارجية المصري سامح شكري في لقاء تلفزيوني، السبت الماضي، بالقول إن بلاده واجهت الوفد التركي الذي زار القاهرة قبل أسابيع، برفضها لبعض السياسات التي لا تخدم الاستقرار في المنطقة.
وأوضح شكري أن تقييم السياسات التركية يرتكز على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والاحترام المتبادل.
ويرجع محللون سياسيون في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" عدم تقدم علاقات الطرفين خطوة إلى الأمام، إلى أن تركيا تبعث برسائل متناقضة لمصر بين الحين والأخر بهدف "إرباك حسابات" الأخيرة، في محاولة لدفعها للتنازل والتراجع قليلا عن شروطها لاستئناف التطبيع بين البلدين.
ويشير المحللون على وجه الخصوص إلى استمرار خلاف القاهرة الجوهري مع أنقرة؛ بشأن وجود الأخيرة في ليبيا، ودعمها المستمر للإخوان، وملف شرق المتوسط.
انشغال الطرفين
الدكتورة دلال محمود، الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أكدت في حديث لـ"العين الإخبارية" أنه ما زالت هناك نقاط يصعب التفاهم حولها ترتبط بالوجود التركي في ليبيا، ودعم أنقرة للإخوان، حيث إن الأمر ليس مجرد ترحيل لعدد من العناصر الإخوانية، أو قنوات الإخوان التي تهاجم القاهرة من إسطنبول.
وتضيف "محمود" أن مضي أنقرة في مسار التطبيع مع القاهرة يتوقف على عدد من الترتيبات، وربما لدى أنقرة ملفات تريد حسمها أولا.
وهي الملفات التي لخصتها "محمود" في الانشغال بالداخل واتهامات لأعضاء في النظام التركي بالتعامل مع المافيا، إضافة إلى ترتيبات للقاء معقد مع روسيا، في حين أن لمصر أيضا أولويات هامة مثل أزمة غزة، ولقاء الفصائل الفلسطينية بالقاهرة.
وكان زعيم المافيا التركية سادات بكر، قد توعد في تغريدة على حسابه على تويتر أمس الأحد، نظام الرئيس رجب طيب أردوغان بمزيد من الفيديوهات الفاضحة لجرائمه وأفعاله الخارجة عن القانون.
لا تقدم دون تحقيق الشروط
وفي تفسيرها للتناقض بين تصريحات تودد المسؤولين الأتراك للقاهرة، في مقابل استئناف هجوم المنصات الإعلامية للإخوان على مصر، قالت الأكاديمية المصرية: "تركيا تستهدف من رسائلها المتناقضة، إرباك الحسابات المصرية، لكن هذا التناقض أثبت عدم جدواه".
ورأت الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن التناقض التركي ربما يدفع القاهرة من وجهة نظر أنقرة إلى أن تكون أميل للتهاون والتنازل عن شروطها لإعادة العلاقات، لكن مصر موقفها ثابت وتنتظر أفعالا وإجراءات تثبت الثقة في جدية النظام التركي نحو تطبيع العلاقات.
وتابعت "محمود": "لا أعتقد أن يكون هناك تقدم في مسار التطبيع، قبل تحريك أنقرة لموقفها في ليبيا بشأن مسألة المليشيات والمرتزقة التابعين لها وتسوية الأمر، علاوة على تحرك ما قد يحدث في منطقه شرق المتوسط، ربما يغير في شكل التحركات التركية، أو أنها تبدأ بعمل جديد استفزازي لجميع الأطراف لكي تجدد أهمية التواصل معها.
تطورات إيجابية في الأفق
وبدا الدكتور طه عودة أوغلو، المحلل السياسي التركي والباحث بالعلاقات الدولية، أكثر تفاؤلا لمآل العلاقات ومسار التطبيع بين البلدين.
وقال في حديث لـ “العين الإخبارية" إنه بحسب المصادر التركية الرسمية الاتصالات والمباحثات بين الجانبين تسير حتى هذه اللحظة بشكل رائع للغاية ويبدو واضحا أن الأيام المقبلة مرشحة لتطورات إيجابية على صعيد مسار العلاقات في حال سارت على هذا المنوال.
ونبه إلى أنه على عكس ما يقال من عدم تحقيق أي تقدم ملموس في مفاوضات تطبيع العلاقات التركية المصرية، كشف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قبل يومين عن تقارب جديد في العلاقات مع مصر، مشيرا إلى اجتماع على مستوى وزيري خارجية البلدين واتفاق لإعادة السفراء بشكل متبادل سيحدث خلال الفترة المقبلة.
لكن المحلل السياسي التركي استدرك قائلا إن ذلك "لا ينفي وجود بعض العوائق والعقبات التي تعترض سرعة تطبيع العلاقات بين البلدين بسبب الكم الكبير من الملفات الشائكة والمعقدة في المنطقة".
وحول تلك العوائق، قال أوغلو: "حسب الجانب التركي لا توجد عوائق، ولكن يبدو أن الجانب المصري بانتظار بلورة الأمور المتعلقة بمطالبها حتى يستطيع التقدم خطوة إلى الأمام".
المشوار طويل
وفي تعليق مقتضب حول عدم تحقيق تقدم ملموس في مسار العلاقات بين بلاده ومصر، قال المحلل السياسي مصطفى أوزجان لـ"العين الإخبارية" إن "تطبيع العلاقات هو مشوار طويل يستلزم وقتا ونفسا طويلا، لكن هناك تصميما خاصة من الجانب التركي على إعادة العلاقات".
وتقوم أنقرة منذ بضعة أشهر بحملة لاستئناف التواصل مع القاهرة، حيث طلبت في إطار مساعيها لتحسين العلاقات مع القاهرة، من وسائل الإعلام المصرية المعارضة العاملة ضمن أراضيها تخفيف حدة الانتقادات.
وهو ما حدث بالفعل قبيل الاجتماع المصري التركي بالقاهرة ولمدة شهر بعده، قبل أن تعود الفضائيات التي تبث من إسطنبول لسيرتها الأولى في الهجوم والتطاول.
فبعد فترة توقف منذ مارس/آذار الماضي، عاد المذيع الإخواني محمد ناصر، من خلال برنامجه "مصر النهاردة" عبر فضائية "مكملين"، لانتقاد السياسات المصرية مجددا والهجوم على الحكومة.
وتشكّل العاصمة التركية موطنا لمكاتب ثلاث محطات تلفزيونية هي "الشرق" و"وطن" و"مكملين"، وهي محطات تابعة لجماعة الإخوان ومدعومة من أنقرة.
كما أن عددا من المعارضين المصريين المؤيدين للإخوان وجدوا ملاذا في تركيا، حيث انتقدوا علنا السلطة القائمة في القاهرة.