الكنيسة تحتفل بذكرى دخول العائلة المقدّسة إلى مصر
رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية في مصر يؤكد الانتهاء من أعمال ترميم وصيانة جميع الآثار الثابتة بمسار العائلة المقدسة.
ترأّس البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في مصر، السبت، قداس عيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر، وذلك بكنيسة أبوسرجة.
و"أبوسرجة الأثرية"، أو "الشهيدين سرجيوس وواخس"، تعدّ الكنيسة الأثرية المُشيَّدة فوق المكان الذي أقامت فيه العائلة المقدسة أثناء رحلتها، وبها مغارة الهروب عند الهيكل.
موقعها الحالي ما يعرف باسم مجمع الأديان في القاهرة القديمة، داخل حصن بابليون، وتحديداً قُرب معبد "بني عذرا" اليهودي.
واستغرقت زيارة العائلة المقدسة إلى مصر 3 سنوات، وقد رصد البابا ثاؤفيلس، البطريرك رقم 23 في كرسي الكرازة المرقسية بمصر بين 385 و412م، وفق مخطوطة "الميمر"، أهم المحطات الرئيسية في رحلة العائلة، بدايةً من "الفرما" والتي كانت تُعرَف بـ"البيليزيوم"، وهي المدينة الواقعة بين العريش وبورسعيد حالياً، حتى جبل "قسقام" بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، حيث رجعت مرة أخرى إلى فلسطين بعد وفاة الملك هيرودس.
وبعد عبور العائلة المقدسة سيناء والوصول إلى "الفرما"، اتّجهت إلى المحطة الثانية وهي "تل بسطا"، بالقرب من الزقازيق، و"بسطا" هي النطق الهيروغليفي لكلمة "باستت"، ومعناها بيت الإله باستت، ثم "بلبيس" وتوجد بها شجرة استظلت تحتها السيدة العذراء، ثم "منية جناح"، وهي منية سمنود حالياً، ومنها عبرت العائلة البحر إلى "سمنود" و"البرلس"، واتجهت بعدها إلى "سخا إيسوس"، مدينة سخا حالياً في محافظة كفر الشيخ شمال مصر.
ذهبت العائلة لاحقاً غرباً نحو "وادي النطرون"، والذي صار إثر ذلك مركز تجمع رهباني كبير تحت اسم "برية شيهيت"، المهد الأول للرهبانية في العالم.
ووصلت العائلة المقدسة إلى عين شمس أو مدينة "أون"، المعروفة بـ"هليوبوليس"، ومكانها منطقة "المطرية" في القاهرة حالياً، والتي كانت قديماً مركزاً ضخماً لعبادة الإله رع، إله الشمس عند المصريين القدماء.
ويُقال إن المسيح أنبع فيها عين ماء وباركها، وغسلت مريم العذراء ملابس المسيح في هذه البقعة، ثم صبّت الماء على الأرض فأنبتت شجرة بلسم.
وتستخدم خلاصة البلسم في إعداد زيت "الميرون المقدس" الذي يُستعمل في الكنائس حتى اليوم.
وتوجه السيد المسيح والسيدة مريم العذراء بعد ذلك إلى مصر القديمة، حيث سكنا بالمغارة التي توجد حالياً تحت كنيسة "أبوسرجة" على أطلال "حصن بابليون".
ومن هناك ركبا مركباً إلى الجنوب، وتحديداً "البهنسا" بمركز بني سويف حالياً، واتجها إلى محافظة المنيا ثم عبرا نهر النيل إلى الضفة الشرقية حيث "جبل الكف"، الذي انطبع فيه كف المسيح، وبعدها إلى "الأشمونيين" بمدينة ملوي.
وتنقّلت العائلة المقدسة من المنيا إلى أسيوط، إذ مكثت هناك أكثر من 6 أشهر، وهي أطول فترة قضتها في أي مكان في مصر.
وزارت أيضاً "فيليس"، وهي مدينة ديروط الشريف حالياً، وبعدها اتجهت إلى القوصية، ومنها إلى ميرة ثم إلى "جبل قسقام"، وفي نفس المكان المقام فيه حالياً دير السيدة العذراء الشهير بـ"المحرق"، ومن هناك عادت العائلة المقدسة مرة ثانية إلى فلسطين، وسلكت نفس المسار تقريباً، بعد أن قضت في مصر 3 سنوات.
ويمثّل مسار العائلة المقدسة أهمية خاصة للسياحة الدينية الداخلية في مصر، حيث تعدّ المحطات الرئيسية التي باركتها العائلة المقدسة في الإقامة بها أعياداً ومناسبات واحتفالات شعبية طوال العام.
واعتمدت وزارة السياحة المصرية المرحلة الأولى التجريبية من المسار في 5 مواقع أثرية، كما استقبلت العام الماضي وفدين من الفلبين والهند، وزار وفد إيطالي مسار العائلة المقدسة في يونيو/حزيران 2018.
وأعلن بابا الفاتيكان بداية إدراج مصر ضمن برنامج حج الفاتيكان، كما تقوم وزارة الآثار بإعداد لجنة مسؤولة عن الترويج والإعلان للمسار ضمن المشروعات التراثية لمنظمة اليونسكو.
ويشمل مشروع المسار 31 موقعاً ذهاباً وإياباً، حدّدها رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، في وزارات السياحة، والآثار، والتنمية المحلية، والثقافة المصرية منذ 2014، بغية سرد تفاصيل الرحلة التي تقدّر مسافتها بنحو 2000 كم.
ويوثق المسار الرحلة التي بدأتها العائلة المقدسة من فلسطين إلى مصر عبر مدينتي العريش ورفح، ومحطاتها داخل القاهرة في مناطق مصر القديمة والمعادي وعين شمس والمطرية والجيزة، مروراً بمناطق دلتا مصر ووادي النطرون شمالاً، وصولاً إلى كنائس وأديرة الصعيد في أسيوط والمنيا، مستهدفاً 2.3 مليار مسيحي حول العالم.
وفي 2018، نجحت مصر في إتمام جزء من المرحلة الأولى للمشروع وتجهيزه لاستقبال السائحين والزوار.
كما أعلنت مؤسسة الحج الفاتيكاني إضافة مصر إلى رحلات الحج التي تنظمها "أوبرا رومانا بيلجريناجي"، المؤسسة المسؤولة عن ملف الحج بالفاتيكان، ليتضمّن برنامجها زيارة الأماكن الأثرية التي عاشت فيها العائلة المقدسة خلال زيارتها مصر.
وأكد الدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة الآثار المصرية، الانتهاء من جميع أعمال الترميم والصيانة لجميع الآثار الثابتة بمسار العائلة المقدسة.
وأوضح أن العملية شملت دير المحرق في أسيوط بصعيد مصر، وأديرة المنيا، ومجمع الأديان في القاهرة، إضافة إلى وادي النطرون ومحافظات الوجه البحري.
وقال مصطفى لـ"العين الإخبارية"، إن وزارة الآثار المصرية أنهت كافة الأعمال المتعلقة بترميم الآثار الإسلامية والآثار الثابتة التي يضمها مسار العائلة المقدسة، بينما تبقت بعض الأشغال في منطقة الفرما شمال سيناء، والتي تتضمن أديرةً وكنائس، موضحاً أن المرحلة الأولى من الجزء التجريبي للمسار تم افتتاحها وتضم منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة في القاهرة، وأديرة وادي النطرون شمال البلاد، إلى جانب تطوير شجرة السيدة العذراء مريم في المطرية.
من جانبه، قال نادر جرجس، منسق زيارات مسار العائلة المقدسة ورئيس ائتلاف تنمية وإحياء التراث بمصر، إن المرحلة التجريبية من المرحلة الأولى لمشروع إحياء المسار، استقبلت نحو 200 ألف سائح من دول إيطاليا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن أستراليا وروسيا وعدد من دول أفريقية مثل الكاميرون وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا خلال عام 2018.
وتابع في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "من المتوقع استقبال المواقع الأثرية التي تم تطويرها في المسار وفوداً سياحية روسية وإيطالية خلال شهر مايو/أيار المقبل، ووفوداً فرنسية في شهر يونيو/حزيران المقبل".
وأشار إلى أن المسار يستقطب بشكل كبير كبار السن الذين يمثلون الشريحة الأوسع في جمهور السياحة الدينية، وتُقدَّر نسبتهم بنحو 80% من زوار المنتج السياحي الديني.
وأوضح أن مكاسب مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة تتخطى العائد المادي من زيارات الوفود السياحية، مؤكداً أن المشروع ينعكس إيجابياً على تنمية المجتمعات والمواقع الأثرية التي يضمها المسار، خاصة أن أغلب الكنائس والأديرة تقع في شوارع غير ممهّدة وضيقة، فضلاً عن تحسين الصورة الذهنية عن أمن واستقرار مصر، والتأكيد على استرداد السياحة المصرية قوتها في تقديم أنماط متنوعة من بينها السياحة الدينية.