الظروف المالية الصعبة تغيّب كعك العيد عن بيوت غزة
يعتبر كعك العيد في فلسطين عامة وغزة خاصة من طقوس عيد الفطر وتقليداً مارسته الأجيال، إلا أن الظروف الصعبة لم تجعله على قائمة الأولويات.
تتحلق إلهام ومجموعة من النسوة القريبات منها، حول طاولة خشبية قصيرة الأرجل، وضعن فوقها صواني معدنية، تحضيراً لصفّ عجينة الكعك عليها، وتمهيداً لإدخالها الفرن الطيني، فالعيد على الأبواب، والكعك علامته المميزة، وتعتبر الأسر في قطاع غزة، الهلال للإمساك والإفطار، والكعك للفرحة والبهجة.
ويعتبر كعك العيد، في فلسطين عامة، وقطاع غزة خاصة، طقساً من طقوس عيد الفطر المبارك، وتقليداً مارسته الأجيال المتعاقبة عبر العصور، وكان قديماً ينصب له الخيام على مدار العشر الأواخر من رمضان، وتجتمع نسوة الحي، في حلقات متعددة، ويبدأن عجن خلطة الكعك المكون من الطحين والسميد والسمن وعجوة التمر، ومواد إضافية أخرى، كما يباشرن بالأهازيج والمواويل الموروثة، بينما الشابات منهنّ يساعدن الكبيرات بمدهن بالأواني المطلوبة، ويحملن الصواني الجاهزة للخبز، ويضعنها في مكان مخصص، ليأتي الرجال ويأخذونها الى الأفران.
بينما إلهام نادر تعجن خلطة الكعك، لتمررها الى سلفتها (زوجة شقيق زوجها) تقول لـ "العين الإخبارية": "عيدنا يبدأ لحظة تحضير الكعك، لأنها مناسبة سنوية، نجتمع فيها نحن النساء حول بعضنا البعض، وفي هذه المناسبة تتصالح النساء اللاتي بينهن خصومات أو خلافات، ونثرثر ونحن نصنع الكعك حتى مطلع الفجر، وبعض منا يغنين ويبهجن الجمعة الحلوة، حتى يسرقن الوقت تماماً، فلا نشعر كيف انقضى، وصناعة الكعك ليست كل الغاية لدينا ولكن أن نجتمع ونصفي القلوب، ونبدأ عاماً جديداً بروح ملؤها الأمل هي الغاية، فقلما تجتمع نسوة العائلة في مناسبات إلا إذا اجتمعن حول الكعك، وأزواجنا يتفهمون سهرنا طوال ليالي صناعة الكعك، ويساعدوننا في خبزه، ولكن هذا العام للأسف لم نصنع الكمية المتعارف عليها، فكل عيد نخبز ما لا يقل عن ثلاثين كيلو من الكعك ونوزعه على بيوت العائلة، ولكن هذا العيد لم نخبر أكثر من عشرة كيلوات فقط، للأوضاع المالية الصعبة، والخصومات التي حلت على رواتب الموظفين".
حال إلهام وقريباتها أفضل من حال أم علي النبيل التي اشتهرت في حارتها بصناعة الكعك، فهذا العيد اضطرت إلى صناعته بالأجرة لجاراتها لسوء وضعها المالي، ومن كل عائلة تصنع لها الكعك، تحصل على نصيبها منه، تقول لـ "العين الإخبارية": "من خمسين سنة وأنا مشهورة في حارتي بصناعة الكعك، وكنت أشتري الطحين والسميد وعجولة التمر وكلفة الكعك من حسابي الخاص، وأصنع ما أستطيع صناعته وغالباً ما كنت أعجن المئة كيلو في العشر الأواخر من رمضان، وأوزعه على الفقراء، وبعض العائلات المقتدرة تشتري مني ما تريده من الكعك، ولكن هذا العام لم أستطع شراء مواده فاضطرت الجارات والقريبات لشرائه والحضور إلى منزلي لصناعة الكعك، لأن العيد لا طعم له بدون كعك في غزة".
بينما يرص الكُلفة (المواد التي يصنع منها الكعك) وعجوة التمر وأكياس الطحين والسميد أمام محله في شارع الحبوب، بسوق خانيونس المشهور، يشرح أحمد شيخ جميل لـ "العين الإخبارية" عن تراجع الإقبال على شراء لوازم الكعك هذا العيد فيقول: "واضحٌ أن هذا الموسم، المشترون لمواد الكعك أقل بكثير من العام والأعوام الماضية، فالكل تأثر بموضوع رواتب الموظفين العموميين، وبالظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة المحاصر منذ 11 سنة، وأؤكد أن الإقبال على شراء مواد الكعك تراجع عن العام الماضي إلى النصف إن لم يكن أكثر، وبعض الزبائن المعروفين يأتوا ليشتروا بالدين ولكن وضعنا كباعة مفرق لا يسمح لنا بصراحة البيع بأجل، لأننا نتأثر جداً بعدم توفر السيولة، وعلينا التزامات مالية للتجار الكبار، وهذا سوق والظروف الصعبة، لم يظهر لها حلول حتى الآن".
أما صالح داوود وهو رئيس جمعية خيرية في قطاع غزة، كان من مشاريع جمعيته على سنوات مضت، إحضار ربات البيوت إلى مقر الجمعية، وشراء مواد الكعك لهن، لصناعته وتوزيعه على الأسر المستفيدة، ولكنه يقول: "للأسف لم نستطع تنفيذ مشروع صناعة الكعك هذا العيد، لأسباب كثيرة منها أننا انصرفنا لإعداد وجبات إفطار للأسر الفقيرة، بدلاً من صناعة الكعك، لظروف هذه العائلات بظل الأوضاع الصعبة هذا العام، فاضطررنا إلى تحويل تكاليف صناعة كعك العيد لصالح وجبات الإفطار، وكل ما نتمناه أن يأتي العيد القادم بظروف أفضل ونعيد تنفيذ برنامج صناعة الكعك في الجمعية، لأن طقوسه جميلة جداً، وتشعر بالبهجة والنساء يعجنّ كعك العيد".
بينما أكدت لـ "العين الإخبارية" السيدة فاطمة كريم من مدينة غزة، أن أسراً كثيرة استغنت مضطرة عن صناعة كعك العيد هذا العام، بسبب الأوضاع المالية الصعبة، والتي تأثرت سلباً بخفض رواتب الموظفين العموميين، والتهديدات التي تواجه وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، وازدياد البطالة، وقلة فرص العمل للذين يعملون باليومية، بالإضافة الى غياب الأفق لحل أزمات قطاع غزة.
وثريا عيسى تعتذر لأشقائها الأربع الذين سيحضرون بعد يومين إلى بيتها في زيارة العيد، عن عدم تمكنها من تقديم الكعك بالسمسم الذي اعتادوا عليه، وغالباً ما كان يردد لها شقيقها الأكبر سالم: "نتمنى أن يأتي العيد لنأكل كعك يا ثريا".
وإن قلت صناعته هذا العام، فكعك العيد برائحته المعطرة يبقى عند سكان قطاع غزة، موروثا اعتادوا عليه، يحيونه كلما تحسنت أوضاعهم.
aXA6IDEzLjU4LjIwMy4yNTUg
جزيرة ام اند امز