الشعراوي في "محكمة التنويريين": لا شيطان ولا ملاك (خاص)
خضع الشيخ محمد متولي الشعراوي لمحاكمة غيابية على يد تنويريين مصريين، لمنع تجسيد سيرته في عمل مسرحي ضمن خطة المسرح القومي لرمضان 2023.
واتسعت الدائرة بدخول عدد من الفنانين والإعلاميين والنقاد كشهود إثبات على "مثالب الشعراوي"، فيما هبّ رجال الدين للذود عن "إمام الدعوة" وتجنبيه سهام كارهيه.
وبين هذا وذاك، استطلعت "العين الإخبارية" آراء بعض المثقفين حول الأزمة، وسط دعوات لالتزام العقلانية والموضوعية في الحكم على الرجل، وعدم المصادرة على محبيه.
"احتكار الحقيقة"
في البداية، يقول الدكتور عصام عبدالفتاح، أستاذ فلسفة اللغة، إن طريقة تفكير الشيخ الشعراوي تصنف ضمن التفكير الأصولي، موضحًا أن "الأصولية في الفلسفة تعني العودة للأصول والزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة، وكل مَن لا يتفق مع ذلك يعتبر إلى حد ما كافر، رغم أنه لا يٌكفّر صراحة".
وأضاف "عبدالفتاح" لـ"العين الإخبارية": "لذلك نجد الشعراوي في لقاءاته التليفزيونية يطرح السؤال وهو نفسه الذي يجيب، ولا يملك أحد أن يعرب عن اعتراضه لأنه هو وحده مَن يجيب، وفي أمور معينة كانت رؤية الشعراوي تنحصر في إطار ديني مغلق وليس منفتحاً، وكان يفسّر الأشياء بطريقة معينة ويعتقد أن هذا التفسير يمثل الحقيقة الوحيدة، وهو وحده مَن يمتلكها، أما غيره فهو مخطئ".
"هذا هو سبب هجمة التنويريين على الشعراوي"، يقول "عبدالفتاح"، ويضيف: "هم يؤمنون بأن الحقيقة نسبية، وتتغير وفقاً للظروف، لأن العقل البشري يعجز عن اقتناص الحقيقة المطلقة، كما أن الشعراوي ومعظم الأصوليين أوقفوا الفكر وجعلوه متحجرًا، ولكن الفكر المتطور هو الفكر الناقد، الذي لا يمنع من إعادة النظر فيما نعتبره حقائق".
"ليسوا تنويريين"
واعتبر "عبدالفتاح" أن السبب الثاني لخلاف التنويريين مع الشعراوي هو الإجماع: "المنطق يقول إذا أجمعت العامة أو العلماء على شيء فليس هذا دليلا على مصداقية ويقين الشيء، والإجماع هو أحد طرق الاستدلال في الفقه، ولكنه مرفوض عند التنويريين، وأنا شخصيًا أتفق مع التنويريين تماماً في هذه النقطة".
وقيّم "عبدالفتاح" جماعة التنوير في مصر، قائلًا: "لا يمكن وضع التنويريين في سلة واحدة أبدًا، هناك مَن يدّعون أنهم تنويريون وهم ليسوا كذلك ولا يعوا معنى التنوير، وهناك تنويريون حقيقيون، والدكتور خالد منتصر على سبيل المثال متنور وله رؤية نقدية ويتخيّر بعض النقاط ويحللها بشكل ممتاز، وهناك مَن يدّعون أنهم تنويريون ولكنهم مجرد نقاد ولا يملكون تصورًا كاملًا للأمور".
وبسؤاله عن تعريف التنوير، قال: "أجمل تعريف للتنوير قدمه الفيلسوف إيمانويل كانط حين قال: كن جريئًا في استعمال عقلك، ولا تجعل لأي سلطة أخرى وصاية على عقلك. وبعض الناس لا يفكرون ولا يعملون عقولهم بل سلموا أدمغتهم للمشايخ باعتبارهم أصحاب الكلمة العليا، وأقول لهم: استخدم عقلك، فالصدق بيّن والحق بيّن والباطل بيّن، اسأل عقلك جيدًا وكن حسن النية مع نفسك".
في المقابل، يرى الكاتب الصحفي المصري سليمان جودة أن الشيخ الشعراوي أسيء تناوله من الجانبين، سواء من المعجبين به أو الغاضبين منه، مؤكدًا أن الرجل يعد "ظاهرة غير مسبوقة في تفسير القرآن الكريم".
"لا شيطان ولا ملاك"
وأضاف "جودة" لـ"العين الإخبارية" أن "الغاضبين من الشعراوي يصلون به إلى حد تصويره على أنه مؤسس للأفكار المتشددة والمتطرفة، وهذا غير صحيح، كما أن تصويره من جانب المعجبين به على أنه إله أو ملاك فهذه مبالغة في التعامل مع الرجل، ونحن هنا أمام سوء تصوير على الجانبين".
واعتبر "جودة" أن الشعراوي "ظاهرة غير مسبوقة في مجال تفسير القرآن الكريم، وبالتالي لا يجب إخراجه من هذه الدائرة، وكان أكثر ما يميز تفسيره عن التفسيرات التي سبقته أنه كان مرئيًا وليس مكتوبًا، لأن هناك أكثر من تفسير مكتوب للقرآن، وهذه الدائرة برع فيها الشعراوي وقدم فيما ما لم يقدر غيره على تقديمه".
وعن أزمة المسرحية، يقول "جودة": "مَن يطلقون على أنفسهم (تنويريون) لهم رأي آخر في الرجل، وهم مستمرون في تصويره على غير ما هو عليه، وأعتقد أنهم رأوا أن الحديث عن الشعراوي رائج بشكل ما فانجذبوا للهجوم عليه، ورأيي أن الظاهرة الشعراوية يجب أن توضع في إطارها الصحيح، لا سيما في تفسير القرآن بطريقة نالت إعجاب الملايين في مصر والعالم العربي، ولا يجب أن نصادر على المعجبين به، ويجب أن نتناول الرجل بموضوعية دون مبالغة ودون تهويل أو تهوين".
وختم "جودة" حديثه بدعوة وزارة الثقافة المصرية إلى عدم التراجع عن إنتاج المسرحية، قائلًا: "أتمنى ألا تتراجع وزارة الثقافة، فتراجعها عن إنتاج المسرحية ضعف، وبعد عرضها يجوز لمن يريد الاعتراض أن يعترض، ولكن لا يجوز أبدًا فرض رأي والمصادرة على الرأي الآخر".
"شيخ متنور"
أما الدكتور عمرو دوارة، المخرج والمؤرخ المسرحي المصري، فيقول عن مسرحية الأزمة إن الحكم على أي عرض دون مشاهدته أو الاطلاع على نصه غير جائز، وقبل إبداء الرأي لا بد من عرض العمل أولًا لكي يكون الكلام والحكم قائمًا على أسس.
واعتبر "دوارة"، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن الشعراوي "شيخ متنور بالنسبة لعصره"، مضيفًا: "هو من المشايخ الذين يمكنك التفاهم معهم في فترة عرفت بتطرف مشايخها"، مؤيدًا تقديمه في عمل مسرحي: "إذا كنت سمحت بتقديم مسلسل عن الشعراوي وهو (إمام الدعاة) فما المانع من تقديمه على المسرح بمعالجة جيدة تناقش القضايا التي أثارها الرجل، ومنها شق سياسي نظرًا لتوليه وزارة الأوقاف واستقالته من منصبه".
وقارن "دوارة" بين الجدل المثار حول مسرحية الشعراوي والجدل الذي أثير حول مسرحية "المومس الفاضلة"، قائلا: "اعترضوا على المسرحية حين صرحت إلهام شاهين حولها، وقامت الدنيا وحدثت ضجة كبيرة جدا، وأنا كنت واثقًا بأن إلهام لن تقدم العرض ولن يدرج ضمن خطة الإنتاج"، مختتمًا: "الأمر مثير للدهشة، لماذا نهاجم عملا لم نشاهده، وأخيرًا يجب أن نترك الكلمة للمتخصصين وننتظر رد الفعل الأدبي والجماهيري على العمل إذا كتبت له الحياة".
"باعوا أنفسهم"
وفي بداية حديثه لـ"العين الإخبارية"، أشاد الدكتور سامي الشريف، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق، باتجاه المسرح القومي لتقديم مسرحيات لرموز الأدب والفن والثقافة وعلماء الدين أمثال الشعراوي ومحمد عبده، قائلًا: "لا خلاف على أن الشيخ الشعراوي علم من أعلام الدين والفكر والثقافة في مصر والعالم العربي، اتفقنا أو اختلفنا على طريقته في الأداء لكنه يظل أحد كبار المجددين في الفكر الديني خلال القرن الماضي".
وأضاف "الشريف": "الاختلاف جائز وهو من سنن الكون، والناس اختلفوا على وجود الله والرسل، لكن أن نصادر حق الرجل في اعتباره أحد مجددي الفكر الديني وأحد الذين يعتمد عليهم التليفزيون المصري والعربي في شرح القرآن والسنة بأسلوب هادئ ورقيق، لمجرد أنه فسر أو كان له رأي بطريقة معينة في الفن أو ودائع البنوك، فهذا أمر مخز. لا يجب أن نصادر حق المسرح القومي في اختيار الرموز التي يسعى لتقديمها، وأنا أحيي المسرح القومي، وسأكون حزيناً للغاية إذا تراجع عن هذه المسرحية نتيجة هرطقة بعض الإعلاميين والنقاد".
وعن رأيه في هجمة التنويريين على الشعراوي، قال "الشريف": "هناك هدف واضح وراءه قوى إقليمية لنسف الرموز الدينية، ومن بالداخل ينفذون ذلك سواء بقصد ومقابل أو بدون، ولكن هناك هجمة شرسة على الدين ورموزه لصالح قوى أخرى، ومصر تفقد قوتها الناعمة تدريجيا في الرياضة والدين، ونحن تراجعنا ولا بد أن نعترف بذلك، وينبغي أن نبحث الأسباب وراء هذا التراجع، فهناك من يهاجم التفسير والبخاري والصحابة ونزول القرآن، هذه ثلة ممن باعوا أنفسهم لقوى تريد إسقاط الرموز المصرية والإسلامية من ذاكرة الشعوب".