إغلاق أبواب كنيسة سيستينا... وانطلاق التصويت السري لانتخاب بابا الكنيسة الكاثوليكية

وسط إجراءات محكمة وسرية تامة، انعزل الكرادلة الكاثوليك داخل كنيسة سيستينا في الفاتيكان لبدء أعمال المجمع المغلق لاختيار البابا الجديد.
شرع الكرادلة الكاثوليك يوم الأربعاء في عقد المجمع المغلق داخل كنيسة سيستينا في الفاتيكان، لاختيار بابا جديد خلفًا للبابا الراحل فرنسيس، وذلك بعد مرور أكثر من أسبوعين على وفاته. وتوجه الكرادلة، وعددهم 133 قادمون من 70 دولة، إلى الكنيسة بعد مراسم دينية رسمية، لعقد المجمع الانتخابي المعروف باسم "الكونكلاف"، الذي يتميّز بانضباطه الصارم وسريّته التامة، ويُتابع من قبل وسائل الإعلام العالمية نظرًا لأهمية الحدث بالنسبة لما يقرب من 1.4 مليار كاثوليكي حول العالم.
مراسم دينية تؤذن ببدء العزلة
بدأ اليوم بصلاة قداس في كنيسة القديس بطرس، ليجتمع بعد ذلك الكرادلة بالزي الكنسي التقليدي ذي اللونين الأحمر والأبيض، في تمام الساعة 16:00 (14:00 بتوقيت غرينتش)، لأداء صلاة جماعية في كنيسة باولينا المجاورة. ثم دخلوا موكبًا إلى كنيسة سيستينا، حيث يؤدون اليمين الفردي على إنجيل مفتوح، متعهدين بالحفاظ على السرية الكاملة للمداولات، تحت طائلة الحُرم الكنسي، عبر ترديد العبارة اللاتينية: "أعد، وأتعهد، وأقسم".
عقب ذلك، أعلن رئيس الاحتفالات الليتورجية البابوية المطران دييغو رافيلي الجملة اللاتينية "Extra Omnes!"، أي "ليخرج الجميع"، لإخراج جميع غير المصرح لهم بالبقاء، من بينهم العاملون والراهبات والطواقم الطبية، تمهيدًا لانعزال الكرادلة التام، مع التخلي عن هواتفهم الشخصية، وقطع شبكة الاتصالات داخل الفاتيكان بالكامل.
تصفيق في الخارج وإغلاق الأبواب
تابع المصلّون في ساحة الفاتيكان المراسم عبر أربع شاشات عرض ضخمة، وصفقوا لحظة الإعلان عن دخول الكرادلة إلى المجمع. وفي الساعة 17:45 (15:45 بتوقيت غرينتش)، أغلقت أبواب كنيسة سيستينا، ليبدأ الكرادلة عزلة تامة داخل الكنيسة الشهيرة المزينة بلوحات ميكيلانجيلو الجدارية، وأبرزها "يوم الدينونة".
أولى جولات الاقتراع
في مساء الأربعاء، بدأت أولى جولات التصويت التي تهدف إلى قياس التوجهات الأولية، مع استبعاد إمكانية حصول أحد المرشحين على الغالبية المطلوبة، وهي ثلثا الأصوات، أي ما يعادل 89 صوتًا. ومن المتوقع أن يستأنف التصويت يوم الخميس، بواقع جولتين صباحيتين وجولتين أخريين بعد الظهر.
الدخان علامة الحسم
كما جرت العادة، سيتابع العالم المدخنة المعدنية المثبتة على سطح كنيسة سيستينا، التي ينبعث منها دخان بعد كل جولة اقتراع: دخان أبيض في حال تم انتخاب بابا جديد، ودخان أسود إذا لم يُحسم التصويت.
اهتمام عالمي وإعلامي واسع
يحظى المجمع بمتابعة مكثفة من أكثر من 5000 صحافي، وتنوعت تغطيات الصحف العالمية؛ فقد وصفت صحيفة لا ستامبا الإيطالية اليوم بـ"يوم الدينونة"، في حين أطلقت صحيفة لا كروا الفرنسية عليه اسم "ساعة الحسم". ويتجاوز الاهتمام حدود الأوساط الدينية، كما يتضح من انتشار الرهانات على اسم البابا المقبل بمبالغ وصلت إلى ملايين اليوروهات، فضلًا عن الإقبال على ألعاب إلكترونية وفيلم صدر عام 2024 يتناول المجمع.
أسماء مرشحة بارزة
من أبرز الأسماء المطروحة لتولي رئاسة الكنيسة الكاثوليكية: الكاردينال الإيطالي بييترو بارولين، ومواطنه بييرباتيستا بيتسابالا، والمالطي ماريو غريش، والفلبيني لويس أنطونيو تاغلي، ورئيس أساقفة مرسيليا الفرنسي جان-مارك أفلين.
وفي ساحة القديس بطرس، عبّر إنتسو أورسينغر، البالغ من العمر 78 عامًا والمتقاعد من روما، عن رغبته في أن "يمثّل البابا الجديد القارات التي تنتشر فيها الكاثوليكية". وأوضح أنه لا يرى إمكانية اختيار بابا يؤيد الإجهاض، لكنه يأمل أن يكون قريبًا من المهمشين، وأن يزور السجون وأن يرافق من يعانون.
التعددية الجغرافية في المجمع
قام البابا فرنسيس خلال فترة توليه الكرسي الرسولي، بتعيين 81% من الكرادلة الذين يحق لهم التصويت، مع تركيزه على دول كانت سابقًا مهمّشة في القرارات الكنسية أو تقع خارج القارة الأوروبية. ونتيجة لذلك، يُعدّ هذا المجمع الانتخابي الأكثر تنوعًا من حيث التمثيل الجغرافي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، حيث تشارك فيه 70 دولة تمثل مختلف القارات، وللمرة الأولى تحظى 15 دولة بتمثيل في المجمع، بينها هايتي والرأس الأخضر وجنوب السودان.
التوترات الجيوسياسية تؤثر على التوجهات
أوضح فرنسوا مابيل، مدير المرصد الجيوسياسي للشؤون الدينية، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، أن بعض الكنائس في الجنوب العالمي تحمل مواقف نقدية تجاه الغرب، وخاصة أوروبا، مشيرًا إلى وجود "شرخ واضح خلال فترة حبرية البابا فرنسيس" بين التيار المتشبث بالمبادئ العقائدية، وتيار آخر يدعو إلى احتضان الرعية والتقرب منها.
وقد عقد الكرادلة خلال الأيام الأخيرة 12 جلسة عامة للتعارف وتبادل الآراء بشأن التحديات المعاصرة للكنيسة، وهو ما ساعد في تشكيل تصور أولي عن ملامح البابا المنتظر.
وفي ظل التغيرات الدولية، مثل تصاعد التيارات الشعبوية، وإمكانية عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، واستمرار الحرب في غزة، من الممكن أن تؤثر هذه التطورات في عملية الاختيار. ويرى مابيل أن بعض الكرادلة قد يرون ضرورة اختيار شخصية ذات خبرة عميقة بالعلاقات الدولية لتقود الكنيسة في هذا السياق العالمي المتوتر.
aXA6IDMuMTM5LjIzNC42NiA= جزيرة ام اند امز