الألعاب الإلكترونية التي تنتشر بين أيدي أطفالنا ليست مجرد وسيلة للتسلية والترفيه بل هي فضاءات اجتماعية ضخمة يلتقي فيها ملايين الأطفال والمراهقين من مختلف أنحاء العالم.
لعبة روبلوكس مثال واضح على هذا التحول؛ فهي ليست لعبة تقليدية بقدر ما هي منصة افتراضية تسمح للمستخدمين ببناء عوالمهم الخاصة أو ما يسمى بالمتافيرس وهو موضوع بحثي عميق يستدعي مناقشة تفاصيله، والتفاعل مع الآخرين بحرية، لكن خلف هذا المشهد المبهج، تختبئ تحديات قانونية وأمنية لا تقل خطورة عن الجرائم التقليدية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما علاقة جريمة خرق الخصوصية بلعبة مثل روبلوكس؟
الإجابة تكمن في طبيعة اللعبة ذاتها فالطفل قد يشارك بحسن نية اسمه أو عمره أو موقعه أو تفاصيل حياته اليومية وهذه البيانات البسيطة تتحول إلى ثروة في يد من يسعى لاستغلالها سواء في الاحتيال أو الابتزاز أو حتى انتحال الهوية، وبالتالي فإن البيئة المفتوحة للعبة قد تشكل مدخلاً لخرق الخصوصية وجمع البيانات دون علم أو إذن.
إن تفادي هذه المخاطر يتطلب وعياً جماعياً على مستويات متعددة، فعلى الأسر أن تمارس دورها الرقابي، وأن تزرع في أبنائها ثقافة الحذر الرقمي وعدم مشاركة المعلومات الشخصية، وعلى المدارس والمجتمع أيضاً إطلاق برامج توعية تشرح مخاطر الألعاب التفاعلية، فلا يكفي أن نمنع؛ بل يجب أن نعلّم ونرشد أما الشركات المطورة، فهي تتحمل مسؤولية مباشرة في تعزيز أنظمة الحماية وإغلاق الثغرات التي يستغلها ضعاف النفوس.
لا سيما وأنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن جهات خارجية قد تجد في هذه الألعاب أرضاً خصبة للتأثير والاستغلال؛ فقد تستخدمها شركات في جمع بيانات لأغراض تسويقية غير قانونية، أو جماعات متطرفة في تمرير أفكارها بين اليافعين، أو مجرمون محترفون لاستدراج الأطفال نحو مسارات خطيرة وهكذا ستتحول اللعبة من أداة ترفيه إلى أداة "هندسة اجتماعية" في يد من يتقن توظيفها.
وبالطبع القوانين الحديثة، مثل القانون الاتحادي في الإمارات لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، تجرّم أي فعل يتم عبر الوسائل التقنية إذا مسّ بالبيانات أو الخصوصية أو أمن الأطفال.
ولا فرق بين أن يقع الجرم على منصة تواصل اجتماعي أو داخل لعبة ترفيهية؛ فالمعيار هو الوسيلة الرقمية والضرر الناتج وبالتالي، من يرتكب جريمة عبر روبلوكس أو غيرها، يقع تحت طائلة القانون، وتتحمل الشركات مسؤولية التعاون مع الجهات المختصة للكشف عن الفاعلين.
إن النقاش حول ألعاب مثل روبلوكس يتجاوز حدود الترفيه ليطرح علينا أسئلة جوهرية عن الخصوصية، والأمن الرقمي، وحماية النشء في عصر تتداخل فيه حدود الواقع والافتراض.
لذا علينا أن نتعامل مع هذه المنصات باعتبارها بيئات اجتماعية كاملة، فيها فرص هائلة للتعلم والتسلية، لكنها تحمل في طياتها مخاطر جدية تستوجب وعياً، تشريعاً صارماً، وشراكة بين الأسرة والمجتمع. وهذه مسؤولية عظيمة حتى نحمي أطفالنا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة