يعتبر الإرهاب الإلكتروني، من أشد الاعتداءات الإلكترونية خطورة، خاصة عندما يهدف إلى الضغط السياسي
ارتبط الاهتمام بالإرهاب الإلكتروني بظهور الاعتداءات والجرائم الإلكترونية، وما يمكن أن تتسبب به من كوارث، في حال استهدافها المصالح الحيوية للدول. فالاعتداءات على الأنظمة التي تدير الطاقة والمياه، والصحة، والدفاع، والنقل، وغيرها، ذات تأثير مباشر وأكيد، على السلامة العامة، حيث يمكنها أن تثير الذعر، وتخلق جواً من الهلع، وتعرّض حياة الناس للمخاطر، في جميع البلدان، دون استثناء.
أطلقت الإمارات في شهر مايو 2017 مبادرة دولية تطالب المجتمع الأممي بتجريم الإرهاب الإلكتروني، ووضع الأطر اللازمة تنظيمياً وتشريعياً، لتعاون فاعل بين الدول، على المستوى السيبراني، يحمي مواطنيها واقتصادها ومجتمعها من أخطار الفضاء الرقمي المفتوح والجريمة والإرهاب بشكل خاص
ويعرف الإرهاب الإلكتروني، انطلاقاً من الوسائل التي يُمارس بواسطتها، ويُنفذ من خلالها، أو من خلال أهدافه. وعليه، فهو «الأعمال التي تستخدم التقنيات الرقمية، والفضاء الإلكتروني، لإخافة وإخضاع الآخرين»، وهو «الاعتداءات على أنظمة المعلومات، بدوافع سياسية، أو دينية أو غيرها»، و«كل اعتداء على المعلومات، أو النظام المعلوماتي، أو البرامج، أو البيانات، ينتج عنه أعمال عنف ضد مدنيين، أو ضد دول، سواء ارتكبته مجموعة وطنية، أو عملاء غير مرئيين». وهو كل عمل إجرامي يؤدي إلى عنف، أو موت أو تدمير، و«أي هجوم سيبراني، يستخدم أو يستغل شبكات المعلوماتية أو شبكات الاتصال، لإحداث تدمير كافٍ لإثارة الرعب، وإرهاب مجتمع، لأهداف أيديولوجية». وبالفعل، فقد حذر الخبراء في هذا المجال، من خطر أكيد يكمن في تحول الإرهاب، من الدعاية والتجنيد، إلى شن هجمات إلكترونية، على البنية التحتية، والأنظمة، وسرقة معلومات حساسة، كالخطط، والخرائط، والاستراتيجيات العسكرية.
في هذا السياق، يعتبر الإرهاب الإلكتروني، من أشد الاعتداءات الإلكترونية خطورة، خاصة عندما يهدف إلى الضغط السياسي، وفرض شروط على السلطة، عبر استعراض قوة يثير الذعر والهلع.
فقد قدَّمت الشبكة العالمية للمعلومات، منبراً مهماً، يطل الإرهاب من خلاله، سواء لترويع المجتمع، أو لإدارة عملياته التي ينفذها في أماكن مختلفة من العالم، وتأمين الاتصال بين مجموعاته، أو حتى لبث ثقافة، أوفكر، أو أيديولوجية معينة، والحشد لها. فقد وجه عدد من المنظمات الإرهابية، العديد من رسائل الترهيب، كما نشرت خطابات زعمائها، وأفلاماً مرعبة لكيفية تعذيب الأسرى والمعتقلين، والإعدامات وعمليات القتل الوحشية، مقدمة نفسها كصاحبة قضية عادلة.
أمام هذا الواقع، ونظراً لطبيعة الإنترنت العابرة للحدود، يعتبر التعاون الدولي الفاعل، أحد أهم العناصر، كونه الشرط الأساس في نجاح الملاحقات، والمحاكمات. وقد أصدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تقريراً عام 2012، أكد على ضرورة التعاون الدولي والإقليمي والوطني لمواجهة استخدام الإنترنت لأغراض إرهابية. وقد تم التنبه في هذا المجال، إلى أن غياب الإطار التشريعي الدولي المناسب، الذي يحكم موجبات الدول في مجال التعاون لمكافحة الإرهاب الإلكتروني، يؤثر سلباً على هذه المواجهة، لاسيما على مستويات التحقيق والتنفيذ.
وهكذا، تتكثف الجهود منذ عام 2014، لإرساء آليات تعاون بين العديد من البلدان، لمواجهة انتشار ظاهرة الدعوات إلى التطرف، عبر الإنترنت، حيث أعلنت الولايات المتحدة عن خطة للتحالف المعلوماتي مع الدول الغربية والعربية، لتنسيق الجهود من أجل مواجهة إلكترونية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وعادت الأمم المتحدة في فبراير 2015، إلى التأكيد، خلال قمة مكافحة التطرف والعنف، على مخاطر التهديدات الإلكترونية للمجموعات الإرهابية، والتي استطاعت في فترة وجيزة، تعزيز قبضتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوظيفها في الترويج لأيديولوجيتها، واستقطاب أنصار جدد. كذلك، تنبهت العديد من الدول، إلى أن مواجهة الإرهاب الإلكتروني، لا يمكن أن تتم إلا بتعزيز الإطار القانوني والتشريعي، عبر إصدار قانون خاص، لمكافحة الإرهاب على الإنترنت، وإرساء قواعد تعاون فاعل وحقيقي، على المستويات الوطنية، بين مختلف الإدارات، وعلى المستوى الدولي، بالعمل مع بلدان أخرى، وتبادل المعلومات بين أجهزة طوارئ الإنترنت، أو إنشاء خلايا مشتركة، تعمل على رصد التهديدات السيبرانية، وتبادل المعلومات بشأنها. إضافة إلى ما تقدم، تم التأكيد، على ضرورة لفت انتباه مستخدمي الإنترنت بخطر الإرهاب، وضرورة الانخراط في مواجهته، في البيئة التي تعتبر أكثر خطراً عليه. وعليه فقد أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة - في شهر مايو 2017- مبادرة دولية تطالب المجتمع الأممي بتجريم الإرهاب الإلكتروني، ووضع الأطر اللازمة تنظيمياً وتشريعياً، لتعاون فاعل بين الدول، على المستوى السيبراني، يحمي مواطنيها، واقتصادها، ومجتمعها من أخطار الفضاء الرقمي المفتوح، والجريمة، والإرهاب بشكل خاص.
فإلى أي حد ستلتزم الدول بانخراطها في هذه المبادرة بوضعها ضمن دساتيرها من أجل تجريم الإرهاب الإلكتروني في تشريعاتها الوطنية؟ حتى يتسنى للمجتمع الدولي معاقبة كل جماعة أو دولة مصدرة للإرهاب أو راعية له من خلال، إما إيواؤها لتنظيمات إرهابية أو الترويج بالإعلام أو غيره لأفكار تسلب نعمة الأمن والأمان من الحياة المجتمعيّة في بلد ما، وتخلق أجواء من التوتر والخوف، ويكون هدفها سياسيّاً أوالإساءة لطائفة دينيّة أو مذهبية أو عرقية معينة، أو يكون الهدف أيديولوجيّاً وحزبياً، ويلحق الضرر بحياة الأفراد وأمنهم الفكري و الروحي ومنشآتهم المدنية، حيث تعتبر أعمال العنف هذه انتهاكات حربيّة غير مشروعة، ليتسنى لهذه الجماعات الإرهابيّة فرض قوانين خاصة بها تكون إجراميّة وتنتهج تكتيكات مماثلة برضى وتأييد الدول الراعية لها.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة