في ظل السباق المحموم صوب البيت الأبيض، لا صوت يعلو على صوت الفيل والحمار في الولايات المتحدة الأمريكية.
الأسماء الرمزية للأحزاب السياسية، تلعب دوما دورا في تشكيل الصورة الذهنية للأحزاب السياسية حول العالم.
أضف إلى ذلك أنها تحظى بأهمية مضاعفة في عالمنا العربي، باعتبارها أسهل التصاقاً في أذهان البسطاء، سيما في الانتخابات التشريعية، التي يتسابق فيها الجميع نحو خطب ود هؤلاء البسطاء، الذين يشكلون حجر الزاوية في أي عملية اقتراع.
هذه العوامل مجتمعة تدعونا للتساؤل: هل يمكن أن تنسحب التجربة الأمريكية على عالمنا العربي؟ وكيف يمكن أن تعكس أسماء الحيوانات السمات الأساسية للأحزاب الرئيسية في منطقتنا؟ ولماذا يطرح هذا الأمر؟
في المستهل.. لا أقصد استنساخ التجربة بحذافيرها، بمعنى ليس المقصود " الحمار" أو "الفيل"بعينهما.
أعلم تماما أن مثل هذه الأسماء يعتبرها كثيرون "مُسيئة"، ومن الصعب اقترانها بحزب من الأحزاب في دولنا العربية. لكن هناك حيوانات أخرى لا غضاضة عليها، بل لها مدلولات عن العزة، والفخر، والبطولة في تاريخ أمتنا.
أتذكر قبل العام 2011، كان الجمل أحد رموز الحزب الحاكم في الانتخابات النيابية المصرية. وفي تلك الأثناء كان «الجمل» أحد العوامل الوازنة، في ترجيح كفة مرشحي حزب الأغلبية في الدوائر الانتخابية، نظرا لسهولة حفظ الاسم، واستدعائه أمام صناديق الاقتراع.
الأحزاب والذكاء الاصطناعي
القصد أن استخدام أسماء الحيوانات، في الحياة الحزبية العربية ليس بالأمر غير المألوف، شريطة ألا يخالف الذوق العام، وأن يراعي مكونات الحزب، وطموحاته المستقبلية. هذه العوامل تتوافر في عدد من أسماء الحيوانات.
أمام تعاظم دور برامج الذكاء الاصطناعي في حياتنا، اقترحت على "شات جي بي تي" أحزاب لها ثقل سياسي في منطقتنا العربية، وطلبت منه اختيار اسم حيوان، مع تقديم الأسانيد حول هذا الاختيار، من بين هذه المقترحات، حزب مستقبل وطن في مصر.
بالفعل تجاوب البرنامج ووصف الطرح بـ"المنطقي"، واقتراح إطلاق "الصقر" على حزب مستقبل وطن.
وبرر اختياره بأن الصقر يرمز للقوة، والبصيرة، والقدرة على التحليق عالياً، ما يتناسب مع الأيديولوجية الوطنية للحزب، الذي يسعى لتحقيق تقدم ورفعة لمصر. كما يرمز الصقر أيضًا للاستقرار والهيمنة، وهو ما يتناسب مع الدعم الذي يقدمه الحزب للحكومة المصرية.
السياسة في متناول الجميع
ما سبق يؤشر إلى قابلية الطرح للتنفيذ، وأن الأمر لا يتعارض مع أخلاقيات المجتمعات العربية، بل على النقيض قد يساهم في تعاطي الجماهير مع برامج الأحزاب.
السؤال الأبرز هنا لماذا نحن في حاجة إلى هذه المسميات؟ في تقديري فإن الأحزاب تمثل دعائم استقرار الديمقراطية في مختلف الدول.
كلما كانت الأحزاب أكثر قرباً من الجماهير، كان نظام الحكم في الدولة أكثر استقرارا، ولن يتحقق هذا إلا من خلال "التبسيط" وجعلها في متناول الجميع، على اختلاف مستويات ثقافتهم، أو درجاتهم العلمية.
المثال الدال على ذلك، ما أشرت إليه بشأن تجربة الحزب الوطني الحاكم في مصر قبل 2011، حيث كانت تتقاطر القاعدة العريضة من الناخبين، على لجان الاقتراع النيابية لانتخاب "الهلال" و"الجمل" رمزي الحزب الوطني. مع العلم أن غالبية هؤلاء المقترعين لم يكونوا يتذكرون اسم الحزب.
أضف إلى ذلك، أنه كلما كانت الأحزاب في متناول الجميع، حقق ذلك تمثيلا واسعا من مختلف قطاعات المجتمع، ومن ثم يساهم ذلك في رفع منسوب الوعي السياسي لدى الشباب، ما يؤهلهم إلى فهم القضايا الوطنية بصورة صحيحة وغير مغلوطة.
مع الأخذ في الاعتبار أنه شتان بين "الثقافة السياسية"، والوعي السياسي. الأخير يُحصن عقول الشباب في مواجهة الأفكار المتشددة، ويمكنهم من فهم حقوقهم وواجباتهم تجاه أنفسهم وأوطانهم، ويقلص من مخاطر انجرار الشباب خلف الأفكار الهدامة في المجتمعات.
بيت القصيد.. استنساخ تجارب الآخرين شريطة ألا تتعارض مع ثوابت مجتمعاتنا، أمر في غاية الأهمية، لأنه يمنحنا القدرة على البدء مما انتهى منه الآخرون. الحياة الحزبية في دولنا العربية رغم ما تواجهه من تحديات، تظل الحاضنة الأولى للشباب العربي. تحصين العقول ضد مواجهة الأفكار المتشددة صخرة تتحطم عليها مخططات إشعال الفتن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة