دعاني عدد من الأصدقاء الأمريكان لعشاء عائلي مساء ليلة الأحد، كعادة الأمريكان في التجمع حول طاولة الطعام خلال أمسيات نهاية الأسبوع.
كانت الأجواء مليئة بالحيوية، بمزيج من الأغاني الأمريكية واللاتينية، فزوجة الابن الأكبر لرب الأسرة تنحدر من أصول لاتينية، وهو أمر ليس غريبا هنا في ولاية فلوريدا، أقصى جنوب شرق الولايات المتحدة، المتاخمة للدول اللاتينية.
وسط ضحكات الأسرة، كاد الأب أن يحرق لحم البرغر على الشواية، فتدخلت زوجة ابنه لتصحيح الأمور. وسرعان ما تحول الحديث إلى السياسة الأمريكية والانتخابات الرئاسية.
كان والد صديقي، الذي تجاوز السبعين، قلقًا للغاية بشأن ما يجري، وأظهر قلقه بالحديث عن "محاولة اغتيال ترامب الثانية".
وبنبرة مفعمة باليقين، قال وهو ينفث دخان سيجارته الكوبية: "لن يستطيعوا قتله، لقد نجا مجددًا. مهمته لم تنتهِ بعد.. فهو المختار".
طبعا أستطيع أن أقول لك إن صديقي، ابن صاحب المنزل تولى الأمر، وقام بالواجب، وسخر من والده، بل وشبه كلام والده عن ترامب بأنه مثل كلام مورفيس عن نيو في فيلم ماتريكس " الجزء الأول" حينما قال بأنه المختار.
رغم ذلك، ظلت عبارة "ترامب المختار" تتردد في ذهني، إذ لم تكن هذه المرة الأولى التي أسمع فيها هذا التعبير. في فلوريدا، التي تعتبر معقل ترامب الانتخابي، ويبدو أن مؤيديه يرونه بطريقة شبه أسطورية، لاسيما بعد الصور الأيقونية التي حظي بها مرشح الحزب الجمهوري عقب محاولة الاغتيال الفاشلة في بنسلفانيا.
لاحظ عزيزي القارئ أنني أتحدث عن فلوريدا هنا، معقل ترامب الانتخابي، وولايته المفضلة التي انتقل للعيش بها بعد أن ضج من زحام وبرد نيويورك.
ورغم أنني أقيم في منطقة تامبا باي ذات الثقل السكاني الكبير، وهو ما يجعلها بالتبعية جزيرة زرقاء في البحر الأحمر الذي بات يغطي كافة أنحاء فلوريدا تقريبا، إلا أن مظاهر دعم ولاية الشمس المشرقة للمرشح الجمهوري لا يمكن أن تخطئها العين، فلافتات دعم ترامب، وأعلامه موجودة في كل مكان تقريبا.
وقبل مناظرة الثلاثاء الماضي، كان كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة لترامب، فبعد انتزاع بطاقة ترشح الحزب الجمهوري بتفوق كاسح، نجا لتوه من محاولة اغتيال فاشلة في بنسلفانيا، وانسحب أمامه الرئيس بايدن، وحلق منفردا في صدارة استطلاعات الرأي لفترة ليست بالقليلة، إلا أن صمود هاريس وأداءها المتماسك في المناظرة ربما شكّلا للمرة الأولى أول عقبة أمام ترامب في طريقه لاستعادة البيت الأبيض.
صحيح أن أداء هاريس المفاجئ صدم الجميع، إذ استطاعت أن تفرض نفسها بقوة في المناظرة، رغم أن فوزها لم يكن حاسمًا. إلا أن ترامب، وعلى الرغم من لحظات إحراجه لها، لم يتراجع في شعبيته.
هاريس لم تستطع تقديم إجابات شافية حول فشلها في تحقيق ما تعد به الآن، لكنها نجحت في ترك انطباع قوي.
ومنذ انسحاب بايدن، تقدمت هاريس بثبات في استطلاعات الرأي، حيث وجدت نفسها تتصدر بفارق طفيف في العديد من الاستطلاعات. يُعزى هذا النجاح إلى الأضواء التي سُلِطت عليها بعد انسحاب بايدن، وكذلك التغطية الإيجابية التي حصلت عليها خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الشهر الماضي.
لعل ترامب كان فظا وغاضبا في أحيان كثيرة من المناظرة، ورفض الاعتراف بخسارته في انتخابات 2020، ولعله بالغ كثيرا عندما قال عن المهاجرين من هايتي إنهم يأكلون الكلاب والقطط في سبرينغفيلد في أوهايو، ولعله خسر المناظرة في النهاية، إلا أنه على ما يبدو أن شعبيته لا تتزحزح عن الـ45%.
وحتى في الولايات السبعة المتأرجحة تظل الفوارق بين ترامب وهاريس في أغلب استطلاعات الرأي أقل من 3% وهي نسبة (هامش الخطأ) في استطلاعات الرأي، وربما ترتفع نسب تأييده مرة أخرى بعد محاولة الاغتيال الفاشلة الثانية في فلوريدا.
وفي النهاية، عززت هاريس موقفها في السباق الانتخابي، بعد المناظرة، بينما يستعيد ترامب جزءًا كبيرًا من قاعدته الانتخابية ويعزز فرصه في العودة إلى البيت الأبيض، وربما لا يستطيع أحد إيقافه للوصول إلى البيت الأبيض بعد المحاولة الثانية لاغتياله.
في النهاية، تظل الانتخابات الرئاسية الأمريكية غير متوقعة، والتحديات التي يواجهها كل من ترامب وهاريس قد تجعل هذه الانتخابات حدثًا تاريخيًا بالفعل.
ومع اقتراب موعد الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يبقى السؤال: هل ستتمكن هاريس من صد هجوم "ترامب المختار"، أم أن الأخير سيعيد نفسه إلى البيت الأبيض؟ دعونا نرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة