رويداً رويداً، اتضحت الصورة، وإذ بإلهان عمر تظهر كبوق لقطر وتركيا وإيران، وكل من يضمر العداء للعالم العربي السني.
من المستحيل أن يتغير الكائن الإخواني والكيانات القريبة منه أو يتعدل أو تتبدل الانتماءات الإخوانية الضاربة بجذورها الأصولية في عمق العمل الخفي والسري، كيانات لا دالة لها على السلم أو المودات، ولا يملأ قلبها سوى مشاعر الكراهية والحقد تجاه الآخرين.
لا يعرف الكائن الإخواني العيش في سلام مع الآخرين، ذلك لأنه صنع من أجل الخصام، ونشر الأحقاد، وإثارة النعرات الطائفية، وبذر الشقاق والفراق، عوضا عن الاتفاق والوفاق.
لا يزال خطر الإخوان قائماً في الداخل والخارج ويتوجب الانتباه له، وتعد مواجهته أكثر من مجرد خطط واستراتيجيات أمنية لإطفاء نيران الإرهاب الذي ترعاه الجماعة المارقة. ربما يحتاج الأمر نقلاً عقلانياً للمعركة إلى داخل الأراضي الأمريكية حتى لا تضحى إلهان عمر هي عنوان العرب داخل الكونجرس
لا يختلف الكائن الإخواني في توجهاته باختلاف مكان وزمان وجوده، بل هو نفسه من زمن حسن البنا إلى أوان إلهان عمر عضو مجلس النواب الأمريكي من الحزب الديمقراطي، والتي دلفت إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات كلاجئة هاربة من نيران الحروب في الصومال، والتي تؤججها جماعات متطرفة وإرهابية خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية قبل أن تؤكد ميولها الإخوانية، لا سيما وأنها تلقت دعماً واضحاً جداً من أنصار الحزب الديمقراطي، وبخاصة التيار المؤيد والداعم لجماعة الإخوان المسلمين في الداخل الأمريكي، كما وقفت بجانبها مادياً وأدبياً منظمات وثيقة الصلة بجماعات الإسلام السياسي في الولايات المختلفة، عطفا على زخم خفي من جماعات علاقات عامة تمولها قطر، وتسعى إلى اختراق المجتمع الأمريكي لصالح رؤاها الخبيثة، والتي لم تعد خافية على الأمريكيين أنفسهم.
حين قدر لـ"إلهان عمر" الفوز الثمين والانضمام إلى مجلس النواب الأمريكي، وهو يعد حلما وخيالا بالنسبة لأوضاعها الإنسانية المتقدمة، وهو ما يحسب لصالح الحلم الأمريكي في كل الأحوال مهما اختلفنا مع سياقات ونطاقات ما ينتاب العملية السياسية في الدولة الأمريكية في العقود الأخيرة، اعتبرنا وكافة المتفائلين أن جيلاً جديداً من العرب والمسلمين قد فُتحت أمامهم أبواب الحياة السياسية الأمريكية والتي كانت عصية على أندادهم في ستينيات وسبعينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي، وبدا الأمر وكأنه مرحلة جديدة من الانتشار العربي والإسلامي الواعي والناضج في قلب المؤسسة التشريعية الأمريكية.
كانت فرحتنا كبيرة وغامرة بها وبزميلتها الأمريكية من أصول فلسطينية "رشيدة طالب"، غير أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، فقد بدأت الأخيرة حياتها السياسية بهجمات غير أخلاقية بالمرة ضد الرئيس ترامب، واستخدمت عبارات لولا رحابة الديمقراطية الأمريكية لصُنفت على أنها سب وقذف في شخص ومقام الرئيس ترامب، والذي اعتبر فعلتها أمرا غير مسبوق في تاريخ الحياة النيابية الأمريكية، وله في الحق ألف حق، وبدت وكأنها عوض عن أن تكون قيمة مضافة لقضية عربية وإنسانية كبرى كالقضية الفلسطينية، باتت عنوانا غير مشرف، وبدا وكأن مستقبلها السياسي قد أضحى وراءها وليس أمامها، وهذا ما سوف يتثبت منه العالم برمته في انتخابات الكونجرس القادمة خلال عامين.
الطامة الكبرى والأسوأ من ذلك تصريحات ومواقف "إلهان عمر"؛ فقد بدأت مسيرتها بالتهجم على الأشقاء في المملكة العربية السعودية، متخذة من ضربات التحالف ضد المليشيات الإرهابية في اليمن والتابعة لإيران من جماعة الحوثي ذريعة وراء هذا الهجوم.
رويداً رويداً، اتضحت الصورة، وإذ بإلهان عمر تظهر كبوق لقطر وتركيا وإيران، وكل من يضمر العداء للعالم العربي السني، ومن خلال التحليل الأولي لرؤيتها يخلص المرء إلى أنها تلف في إطار الأيديولوجيات المتطرفة التي تنوي خلق أذرع تابعة لها في داخل الكونجرس الأمريكي.
لم تتوقف كراهيات "إلهان" عند حدود العرب والمسلمين وبخاصة في السعودية ومصر، بل انتشرت آراؤها المسمومة إلى الداخل الأمريكي، ومضت في إطار ما يمكن تصنيفه وبسهولة ويسر شديدين على أنه معاداة للسامية، وذلك عبر استخدامها مصطلحات من عينة الأمريكيين الصهاينة، والإهانات التي وجهتها لجماعات الضغط التي تدعم دولة إسرائيل في الداخل الأمريكي.
هل هذا هو طريق إلهان لدعم القضية الفلسطينية أم أنه درب لكسب المزيد من الأعداء لها وإتاحة الفرصة للمتشددين في الداخل الأمريكي للتنديد بها، والعودة إلى النغمة القديمة، تلك التي لا ترى في العرب والمسلمين إلا أعداء للسامية؟ ربما هو الجهل الذي يطمس نور العقول، والكراهية التي تخيم على بصيرة الأفئدة.
لم نعرف عن إلهان عمر أنها باحثة متعمقة، أو لها دلالة على ارتياد كبريات الجامعات الأوربية أو الأمريكية حتى تكون لها مكانة أدبية وفكرية تمكنها من الهجوم على جماعات الضغط التابعة لدولة إسرائيل مثلما فعل البروفيسوران الكبيران" جون ميرشيامرز، وستيف والت"، ولهذا فإنه لا يبقى أمامنا سوى التسليم بأن ما تفعله السيدة عمر، ليس إلا رجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر عن تعليمات التنظيم الدولي للإخوان ومن لف لفهم في الداخل الأمريكي، وأن هناك مصدرا واحدا يلقنها ويحركها ويملي عليها ما تقول، بل ويوجه دفة تفكيرها لصالحه ومصالحه وليذهب العرب والمسلمون ما شاء لهم أن يذهبوا.
والذي لديه علم من كتاب وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، يمكنه أن يدرك حالة التنادي غير الطبيعية لوسائل الإعلام التابعة لقطر، ولبقية كتائب الإخوان المنتشرة عربياً وأوروبياً وأمريكياً، ودعمها المستميت لإلهان عمر، ما يعني وجود رابط عضوي واضح وفاضح لها وللآخرين، وكاشف لما يخطط له من أجل تكوين جماعة ضغط سياسي موازية لحساب حلف الشرور، ولأجل التأثير السلبي على مسيرة النهضة العربية الخلاقة، وتحديدا في مصر والسعودية والإمارات والبحرين، أي دول المقاطعة الأربعة.
ما تقوم به إلهان عمر يذكرنا بمقاربة أخلاقية عرفها الأمريكيون في ستينيات القرن المنصرم بين زعامتين حاولا تغيير واقع الأمريكيين من أصل أفريقي وإن اختلفت أدواتهما فنجح الواحد وأخفق الآخر.
أما الأول فهو مارتن لوثر كينج، صاحب الدعوة السلمية للتغيير والمعروف بحلمه الكبير للمساواة وعمل الخير والعدل بالمحبة، فيما الثاني فقد كان الزعيم مالكوم إكس، والذي سلك مسالك مغايرة.. الأول أجمع الأمريكيون على نجاح مهمته، حتى وإن قدم حياته ثمنا لمبادئ سلمية، فيما أثار الثاني ولا يزال يثير ذكريات انقسامية مؤلمة.
لا يزال خطر الإخوان قائماً في الداخل والخارج ويتوجب الانتباه له، وتعد ومواجهته أكثر من مجرد خطط واستراتيجيات أمنية لإطفاء نيران الإرهاب الذي ترعاه الجماعة المارقة. ربما يحتاج الأمر نقلاً عقلانياً للمعركة إلى داخل الأراضي الأمريكية حتى لا تضحى إلهان عمر هي عنوان العرب داخل الكونجرس، وغدا لا أحد يعلم ما القادم الذي يمكن أن يحمل الأسوأ من ذلك في المستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة