"أولاد الغيتو" لإلياس خوري الفائزة بـ"كتارا".. دفاتر التاريخ المسكوت عنه
رواية خوري الجديدة "أولاد الغيتو" الفائزة بجائزة "كتارا" تمزج الأدب برواية التاريخ لتتحقق بعد ذلك الهوية المفقودة
يقول محمود درويش "من يكتب حكايته يرث أرض الكلام ويملك المعنى تماما" بمعنى أننا باستنهاض الذاكرة ووضعها في الحاضر يتم بناء الوعي الجمعي لدى في سبيل امتلاك معنى الأرض في الكلام أي الجغرافيا، وذلك ما شغل الأدب والفن تحديدا منذ نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، حيث صدرت المئات من الأعمال التي توثق ذلك التاريخ وما تلاه من أحداث، لكن هذه الأعمال جاءت ضمن الكتابات الأدبية لا التاريخية فالتاريخ يكتبه المنتصر، وجاءت هذه الأعمال قوة مناهضة للرواية التاريخية التي يكتبها العدو.
ولعل من أبرز الكتاب العرب الذين تبنى إبداعهم كتابة الحكاية "الشخصية والجمعية" الكاتب اللبناني إلياس خوري "1948" في روايته الشهيرة "باب الشمس" التي روت حكاية الشعب الفلسطيني من ثورته ثم تهجيره القسري عام 1948 وشتاته خارج أرضه ووطنه، ما يدفعني لسوق هذه المقدمة هو رواية خوري الجديدة "أولاد الغيتو.. أبناء آدم" الفائزة مساء الأربعاء بجائزة "كتارا للرواية العربية" وهي بمثابة امتداد لرائعته "أبناء الشمس" من حيث مزج الأدب برواية التاريخ لتتحقق بعد ذلك الهوية المفقودة.
فإلياس خوري كاتب مسكون بالحكاية، مصاب بها، وذلك يتجلى بتساؤله في سطور روايته "هل أنا ابن الحكاية؟ أبناء الحكايات يكبرون بسرعة ويموتون بسرعة، وأنا أيضًا. كلّنا أبناء الحكاية، لأنّ الحياة نفسها تمضي بنا كما تمضي الحكايات بأبطالها.. كنت جزءًا من حكاية حاولتُ الهرب منها، فوجدت نفسي أسير حكاية أخرى. حكايتي الجديدة قامت بتحويل همس الحكاية الأولى إلى صمت".
أو كما يقول في تقديمه لروايته: "مشكلتي الآن هي عجزي عن التركيز وتشوّش أفكاري. في العادة، يحار الكتّاب كيف يبدأون، لأنّ بداية رواياتهم تحدِّد نهايتها. لست كاتبًا، ولست هنا في سياق كتابة رواية، أترك الذاكرة تحكي ما تشاء وتتوالد صورها من غير نسق، لذا لا تهمّني النهاية التي لن أكتبها على أيّ حال. فمن أراد مثلي أن يُخبر حكايته، فعليه أن يعرف أنَّه لن يكتب النهاية لأنَّه لا يعرفها".
وتدور أحداث الرواية حول شخصية "آدم دنون" يعيش في الولايات المتحدة يعمل في أحد مطاعم الفلافل فيها، يقرر دنون أن يكتب سيرة حياته منذ ولادته لأبوين مجهولين عام 1948 حيث تبنته امرأة من مدينة اللد الفلسطينية وأطلقت عليه هذا الاسم مدعية أنه ابنها من زوجها الشهيد ليترعرع اللقيط في المدينة ويعيش طفولته في حواريها قبل أن ينتقل مع أمه إلى حيفا، وهناك تنكر لهذه الطفولة نسب نفسه لأب يهودي وامتهن الصحافة كاتبا لعمود أسبوعي في إحدى الصحف العبرية، وكان فشل علاقته بامرأة يهودية سببا في هجرته إلى الولايات المتحدة.
يقرر آدم زنون كتابة مذكراته، وقام بإنعاش ذاكرته بعدة مقابلات أجراها مع من واكبوا مجازر الجيش الإسرائيلي في مدينة اللد الفلسطينية حيث قام بقتل وتهجير الأهالي الذين تراوح عددهم ما بين 50- 70 ألف فلسطيني سمي هذا التهجير بــ "مسيرة الموت"، أما العدد القليل الذي بقي مرابضا في اللد تمت محاصرتهم من قبل الجيش الإسرائيلي بأسلاك شائكة لتسمى هذه المنطقة "الغيتو" فظن الأهالي أن هذه الكلمة تعني "حي الفلسطينيين" بينما في الحقيقة "الغيتو" هو اسم أحياء اليهود في أوروبا.
ومن الجدير ذكره أن إلياس خوري قاص وروائي وناقد وكاتب مسرحي وصحافي لبناني، ولد في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1948. كتب عشر روايات ترجمت إلى العديد من اللغات وثلاث مسرحيات وله العديد من الكتابات النقدية. كتب 12 رواية منها الجبل الصغير، والوجوه البيضاء، وباب الشمس، وتُرجمت مؤلفاته إلى أكثر من عشر لغات منها العبرية. وشغل منصب رئيس تحرير الملحق الثقافي لصحيفة "النهار" من عام 1992 إلى عام 2009، يشغل حالياً منصب رئيس تحرير "مجلة الدراسات الفلسطينية". حاز في العام 2011 على وسام جوقة الشرف الإسباني من رتبة كومندور، وهو أعلى وسام يمنحه الملك خوان كارلوس، تكريماً لمساره الأدبي؛ وفاز بجائزة اليونسكو للثقافة العربية لعام 2011 تقديرا للجهود التي بذلها في نشر الثقافة العربية وتعريف العالم بها.. وأخيراً فاز بجائزة كتارا.