يحتاج المتابع للنشاط الدبلوماسي لدولة الإمارات وحركة سياستها الخارجية إلى لياقة ذهنية عالية كي يلاحق الوتيرة المتسارعة، والمدروسة في نفس الوقت، التي تباشر بها دولة الإمارات تحركاتها الخارجية في اتجاهات مختلفة وبشكل متزامن تعطي مؤشراً على الترابط بينها.
زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، إلى إثيوبيا، يوم الجمعة الماضي، جاءت لتؤكد هذا الشمول في رؤية المستقبل الذي تضعه دولة الإمارات نصب أعينها بمختلف مستوياته، الوطني والإقليمي والعالمي، حيث اجتمعت الأبعاد الثلاثة في هذه الزيارة، وانعكست بوضوح في فعالياتها وما تضمنته من مباحثات واتفاقات، ومواقف ذات دلالات مهمة عبر عنها الزعيمان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات وآبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا.
فعلى المستوى الثنائي أو الوطني، توّجت الزيارة مسار التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، خصوصاً ما يتعلق منها بالتنمية المستدامة. حيث تم توقيع 17 اتفاقية في مختلف القطاعات بما فيها الصناعة والزراعة والاستثمار.
ولدولة الإمارات تاريخ ممتد ومتنوع في التعاون مع إثيوبيا، يبدأ من المساعدات التي تجسد اضطلاعها بدورها في مد يد العون إلى مختلف دول العالم. وأسهم هذا الدور بالفعل في استنهاض القدرات الإثيوبية وتحريك عجلة الاقتصاد هناك، حيث أصبحت دولة الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإثيوبيا.
وتضاعف التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 7 مرات منذ عام 2008 أي في أقل من 15 عاماً، ليصل حجم التجارة غير النفطية بين البلدين إلى مليار و400 مليون دولار العام الماضي 2022.
وحرصت دولة الإمارات على توسيع التعاون الثنائي التنموي، لتدخل الفرص الاستثمارية في إثيوبيا ضمن أولويات الخطط الاستثمارية الإماراتية الحكومية والخاصة. وهي فرص واعدة تفتح مجالات وآفاقاً مستقبلية كبيرة خاصة في مجال تأمين الغذاء، بالاستثمار في زراعة مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة هناك. وكذلك في مجال الصناعات الخدمية وتحديداً صناعة الأدوية التي تُعد مدخلاً لتحسين الوضع الصحي للسكان.
ثم يأتي الاستثمار الإماراتي في الطاقة ليضع إثيوبيا على طريق المستقبل الأخضر واستخدام الطاقة النظيفة. فقد أبرمت شركة مصدر الإماراتية مع الحكومة الإثيوبية اتفاقية لمشروع توليد طاقة كهروضوئية بقدرة 500 ميغاواط باستخدام الخلايا الشمسية. على أن يتم رفع القدرة إلى 2000 ميغاواط بتعميم المشروع لاحقاً في عدة مناطق داخل إثيوبيا.
أما المستوى الإقليمي، فالاهتمام الإماراتي بإثيوبيا جزء من الرؤية الأشمل لأفريقيا وأهميتها، حيث يقع مقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة أديس أبابا، ولإثيوبيا وزن مهم ودور محوري في مؤسسات الاتحاد وقراراته. كما يمثل الموقع الجيوستراتيجي لإثيوبيا ميزة كبرى، فهي جزء من القرن الأفريقي ولاعب أساسي في تفاعلاته التي ترتبط بدورها بمدخل البحر الأحمر، وبالتالي شبه الجزيرة العربية.
كما أصبحت إثيوبيا طرفاً أصيلاً فيما يتعلق بحوض النيل والعلاقات بين الدول المطلة عليه، على خلفية المشروعات التنموية التي تقوم بها أديس أبابا ومنها "سد النهضة". ثم تمتد الأهمية الجيوستراتيجية لإثيوبيا جنوباً بمحاذاة الساحل الشرقي لأفريقيا، وبالتالي فإن إثيوبيا رقم مهم في صميم معادلات الأمن والاستقرار في عدة أقاليم فرعية تتشابك تطوراتها معاً.
وفضلاً عن أن تقديرات دولة الإمارات شاملة وبرؤية واسعة النطاق وهنا يأتي البعد الثالث من هذه الزيارة، فهي (الإمارات) تضع دائماً انتماءها العربي ومصالح أشقائها نصب أعينها. وتجلى هذا الحس العربي في حرص رئيس دولة الإمارات على الترحيب باتفاق إثيوبيا ومصر على استئناف المفاوضات حول تسوية ملف "سد النهضة" من منطلق أهمية طيّ هذا الملف في تعزيز التعاون ودعم الاستقرار في المنطقة.
وفي النطاق الأوسع، لم تخلُ زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى إثيوبيا، من لفتة لها مغزاها الرمزي والعملي بتوجيه دعوة إلى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد لحضور المؤتمر العالمي للمناخ "كوب-28" الذي تستضيفه دولة الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. والمغزى في هذه اللفتة هو الحرص على إشراك إثيوبيا كدولة أفريقية محورية في هذا الحدث العالمي بأعلى مستوى من التمثيل.
المعنى النهائي لكل ذلك هو التحاق إثيوبيا وأفريقيا كلها بركب العمل الدولي في مواجهة التغير المناخي، والفوائد العملية التي ستعود على أديس أبابا والقارة السمراء من الانخراط في تلك الجهود، لما تعانيه بالفعل الأوضاع البيئية والصحية والاقتصادية في أفريقيا، بفعل ممارسات وأنشطة اقتصادية ليست دول القارة المسؤولة عنها، لكنها وحدها تتحمل تداعياتها السلبية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة