التجربة الإماراتية في التطوير والتنمية المستدامة على مدار خمسين عاما حملت ملامحها وخصوصياتها.
لم تكن غريبة عن قيمها أو عن طموحاتها. عكست رؤية قيادتها في سعيها الدؤوب لتقديم صورة ناصعة للبلاد. أثبتت التجربة الإماراتية أن الأدوار السياسية والاقتصادية والعلمية لا تُمنح، إنها تُنتَزَع من خلال اعتماد الواقعية في جميع المقاربات، والمثابرة على مواكبة تطورات العصر، وسبر طموحات المجتمع المحلي وتطلعاته، وتوظيف الإمكانيات الذاتية لخدمة الإنسان كونه الحامل الأساسي لأي مشروع تطوير في جميع الاختصاصات.
التنمية ومرونة التشريعات حاملان أساسيان لأي عملية تطوير. جمود أي طرف منهما يقود إلى التكلس ثم التوقف عن التجدد والعطاء. تتطلب عملية التنمية الشاملة تحديثا للقوانين والتشريعات على الدوام. مقتضيات العملية التنموية تحتاج إلى سياقات قانونية مواكبة لروح العصر لتحقق أهدافها.
التشريعات والقوانين الناظمة لاستمرار المشاريع التنموية تعمل ضمن محورين، الأول توفير البيئة القانونية للمشاريع وعملها، والثاني تخصيص كل قطاع تنموي بحزمة قرارات تتناسب مع طبيعته ومقوماته وظروف عمله. هذا ما يتضمنه أوسع وأشمل مشروع لتطوير التشريعات والقوانين الذي اعتمده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بهدف تعزيز البيئة الاقتصادية والبنية الاستثمارية والتجارية في البلاد، وترسيخ حقوق الإنسان من خلال الاستقرار الاجتماعي وتكريس عمل المؤسسات بما يصب في دفع عجلة النهضة الشاملة التي تعيشها البلاد، وهي تستعد لولوج حقبة زمنية تمتد خمسين عاما مقبلة بأدوات ووسائل وأطر قانونية وفتوحات علمية تمكّنها من حيازة مستقبل أكثر نصاعة وتميزا استنادا على ركائز خمسين عام تودعها في هذه الأيام قدمت خلالها أنموذجا تنمويا على المستويات السياسية والاقتصادية والعلمية والتجارية والحضارية غير مسبوق.
لماذا تلجأ الدول إلى تحديث قوانينها وتشريعاتها؟ ومتى تكون ملزمة بالقيام بذلك؟ قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بإجراء تعديلات على تشريعاتها يتزامن مع استحقاقين، الأول استراتيجيتها للخمسين عاما المقبلة، والاستحقاق الثاني الاستعداد لتعزيز مشروعها التنموي من خلال تحديث مستلزماته على جميع الأصعدة.
حين تكون عملية الانتقال من واقع سائد إلى آخر منشود على مستوى دولة مثل الإمارات، مبنية على خطط وتصورات واستراتيجيات بعيدة المدى تحاكي مستقبلا تم رسم معالمه بإتقان ونهج علمي، فإنها تشكل إضافة نوعية إلى ما كان سائدا من جهة، وتفتح آفاقا أكثر رحابة للمراحل القادمة من جهة أخرى.
الإمارات تتصدر مؤشرات عالمية في الأمن والأمان والاقتصاد والاستثمار والقانون والمؤسسات والاستقرار الاجتماعي، مما يجعل عملية تحديث التشريعات والقوانين جزءا من رصيدها الإنساني، لأنها تغطي مختلف مناحي الحياة، وتعزز الثقة القائمة بالدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
يؤكد القرار الإماراتي أن لكل حقبة زمنية منطقها وشروطها وظروفها، التي تتطلب تأطيرا قانونيا وتحديثا تشريعيا يتلاءم مع حجم المشاريع والاستراتيجيات المرسومة للمستقبل، يكون منسجما مع خصوصية المجتمع وظروفه، وقادرا على تحقيق حاجاته وتطلعاته وصيانة حقوقه. إنه مؤشر على رغبة عميقة وإرادة سياسية واعية لتطوير البنية التشريعية بما يعزز هويتها وقيمها وتفرد طموحاتها. تخبرنا تجارب بلدان كثيرة على المعمورة: منها المعاصرة، ومنها تلك الضاربة في أعماق التاريخ، ومنها ما قبله "شريعة حمورابي"، أن الدول التي تمتعت بقوانين وتشريعات قوية حققت مستويات عالية من التطور، وحازت مقدرة مكينة على الاستمرار، وحافظت على كياناتها وعلى مواطنيها، وحجزت مقعدها بين الأمم طالما استمر الوجود.
حين تتم عملية تحديث القوانين والتشريعات وفقا لمتطلبات مرحلة جديدة، فهي تصب أولا وأخيرا في سعادة الإنسان. تجديد القوانين وتحديثها يعني باختصار نقل الإنسان الإماراتي إلى مرابع أكثر مسؤولية وطمأنينة وتميزا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة