إطلاق "خليفة سات" لرصد الأرض كأول قمر صناعي يتم بناؤه داخل الغرف النظيفة في مختبرات الأبحاث وعلوم الفضاء في مدينة دبي.
نحن أمام حالة عربية فريدة من نوعها، تتشكل انطلاقا من دولة الإمارات العربية المتحدة لتكون رسالة إلى العالم والمستقبل معا، فالاتجاه نحو اقتحام عالم الفضاء واختراق أبعاده وسبر أغواره كان حكرا على القوى الكبرى، قبل أن تختاره الإمارات مجالا رحبا للتحدي الذي بات شعارا للدولة، وروح التميز التي انغرست في أبنائها ليقدموا من خلالها النموذج الحضاري الذي يتجاوب مع تطلعات العرب من المحيط إلى الخليج.
مشروع اقتحام الفضاء الذي دشنته الإمارات بنجاح كبير ليس من باب الاستعراض وإنما من باب الوعي بحضارة المستقبل التي ستبنى على المعرفة والذكاء الاصطناعي والتفتح على الأبعاد الكونية بما في ذلك التواصل مع العالم الخارجي، حيث سيكون للدول دور في الفضاء بحجم دورها في الأرض
وجاء إطلاق “خليفة سات” لرصد الأرض كأول قمر صناعي يتم بناؤه داخل الغرف النظيفة في مختبرات الأبحاث وعلوم الفضاء في مدينة دبي، وكأول قمر صناعي يتم تطويره بالكامل بأيدي فريق من المهندسين العرب الإماراتيين، ليعيد إلى الذاكرة بدايات تأسيس الدولة، منذ البذرة الأولى في اجتماع ساح السديرة يوم 18 فبراير 1968، بين القائدين زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي وراشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، اللذين أعلنا قيام اتحاد فيدرالي بينهما، سرعان ما اتسع ليشمل بقية الإمارات السبع ويعلن عن قيام دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر 1971.
كانت الظروف غير الظروف والإمكانيات غير الإمكانيات، وكان لا بد من التضحية والتمسك بالأمل لتحقيق الأهداف الكبرى التي كانت تراود مخيلة الآباء المؤسسين، ثم تشكلت الرؤية التي نراها اليوم، وأفرزت مشروعا استثنائيا في المنطقة العربية، نجح في بناء أسس دولة قوية على الأرض، أضحت اليوم تمد ذراعيها إلى الفضاء ليس فقط عبر إنجازات الآخر التي لا تحتاج إلا إلى المال لشرائها، ولكن عبر الإصرار على أن يكون المنجز برؤى وعقول وخبرات إماراتية، اجتمعت في مركز محمد بن راشد للفضاء، وهو مؤسسة علمية تابعة لحكومة دبي وتعمل على تطوير برنامج الفضاء الوطنية.
والموضوع لا يتعلق بطفرة حينية وإنما هو بداية لبرنامج مستقبلي متكامل، يعمل على اكتشاف الأرض من الفضاء، وعلى اكتشاف الفضاء ذاته، كما سيتم من خلال مسبار "الأمل" الذي سينطلق نحو المريخ في النصف الأول من عام 2020 ليقطع 600 مليون كم بسرعة 126 ألف كم في الساعة وصولا لوجهته النهائية بعد 200 يوم من بدء رحلته، وستستمر مهمة المسبار حتى عام 2023، مع إمكانية تمديدها حتى عام 2025، وسيوفر مشروع الإمارات أكثر من 1000 جيجابايت من البيانات الجديدة عن كوكب المريخ.
ومن المنتظر أن يصل المسبار إلى الكوكب الأحمر تزامنا مع ذكرى مرور 50 عاما على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، مسجلا بذلك جملة من الأهداف المهمة في بناء موارد بشرية إماراتية عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية التي تعود بالنفع على البشرية، والتأسيس لاقتصاد مبني على المعرفة وتعزيز التنويع وتشجيع الابتكار، والارتقاء بمكانة الإمارات في سباق الفضاء لتوسيع نطاق الفوائد، وتعزيز جهود الإمارات في مجال الاكتشافات العلمية، وإقامة شراكات دولية في قطاع الفضاء لتعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي إبريل 2019 سينطلق أول رائدي فضاء إماراتيين لتنفيذ مهام علمية في محطة الفضاء الدولية، بالتعاون مع وكالة الفضاء الروسية “روسكوسموس″، وهما هزاع علي عبدان خلفان المنصوري وسلطان سيف مفتاح حمد النيادي، اللذان اختيرا من بين 4 آلاف شاب وشابة إماراتيين، تقدموا للاختبارات ضمن برنامج الإمارات لرواد الفضاء.
هذا غيض من فيض.. مشروع اقتحام الفضاء الذي دشنته الإمارات بنجاح كبير ليس من باب الاستعراض وإنما من باب الوعي بحضارة المستقبل، التي ستبنى على المعرفة والذكاء الاصطناعي والتفتح على الأبعاد الكونية بما في ذلك التواصل مع العالم الخارجي؛ حيث سيكون للدول دور في الفضاء بحجم دورها في الأرض، وهو ما لن يتسنى حتما إلا للدول ذات الاقتصاديات القوية، والتجارب العلمية المتقدمة، والرؤى المتوثبة في اتجاه التميز عبر تمكين العقول، والقدرة على المساهمة في تشكيل ملامح الغد الإنساني، الذي لن يكون فيه مكان للضعفاء والكسالى والخاملين والمتمسكين بالوهم والغافين على أعتاب الماضي.
هذا التميز الإماراتي يربك بمطرقة السؤال دولا عربية أخرى، لا تزال تائهة في مسالك السياسات الفاشلة والمواقف المتشنجة والشعارات التي لا تغني ولا تسمن من جوع والصراعات على الكراسي والمناصب، ورمي خيباتها على الآخرين، ليصل من يود البحث عن الجواب المقنع إلى أسباب نجاح الدولة الشابة، وهي في الرؤية والحكمة والتوازن والطموح وعدم الرضى بغير التميز.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة