طريق السلام الذي رسمت ملامحه السياسة الإماراتية الشجاعة عبر توقع معاهدة سلام تاريخية مع إسرائيل، تمر فيه اليوم عدد من دول المنطقة.
يبدو أن شعوب الدول العربية والإسلامية عموماً، أمام مناخ سياسي جديد يتسم بالهدوء والسلام وتعميم قيم التعايش الإنساني، بمن فيهم الشعبان التركي والإيراني (هناك فرق بين الموقف الشعبي ومواقف الأنظمة الحاكمة)، حيث بدأ ينتشر فهم مختلف لما يعنيه النزاع العربي - الإسرائيلي وأبعاده الاستراتيجية الذي امتد لأكثر من سبعة عقود وكان يعتقد أنه خلاف أزلي على مدى التاريخ.
ستبقى فلسطين هي القضية المركزية لكل الدول العربية، وستستمر الدول الداعمة لحق شعبها دون تغيير في مواقفها الاستراتيجية؛ لأنها دول مؤمنة بعدالة قضيتهم وحقهم في تقرير مصيرهم والحصول على دولتهم، لكن أدوات التعبير والدفاع عنها ستتغير وستختلف من حيث نوعيتها، حيث لن تكون هناك متاجرة سياسية بها بعد اليوم، ولن تكون هناك صفقات من تحت الطاولة كما كان يحدث من بعض قادتها. كما أن أدوات التعبير سيكون تأثيرها أكثر قوة وصلابة لأنها ستعتمد على دبلوماسية المصارحة وعلى الواقعية السياسية لأنهما الأفضل في هذا الوقت.
خلافنا السياسي -كعرب- مع إسرائيل لا ينبغي أن يقتصر على "المعادلة الصفرية" القائمة على من يستطيع إلغاء الآخر وإنهاءه فليفعل، وإنما كل المواثيق الدينية والإنسانية تفرض التحاور السياسي والأخلاقي والقانوني من أجل الوصول إلى تفاهمات تسمح بالتعايش خاصة بعدما تأكد للجميع بأنه لا مجال من العيش المشترك وبالتالي علينا قبول الآخر.
وإذا كان الحديث يدور هذه الأيام عن توقيع معاهدات سلام بين عدد من الدول العربية مع إسرائيل وكانت قد بدأتها دولة الإمارات بجرأة سياسية لفتت انتباه المراقبين في العالم ثم لحقتها مملكة البحرين بعد أيام والسودان خلال الأسبوع الماضي، فإن الشي الجدير بالإشارة هنا أن القيادة الفلسطينية ممن يعدون أنفسهم أصحاب القضية، السابقون واللاحقون منهم، كانوا قد سبقوا أغلب العرب بفترات في التوقيع على اتفاقيات سلام بعضها معلن وبعضها سري.
في وقتنا الحاضر لا توجد وسيلة أفضل من طريقة التحاور مع إسرائيل في ظل وجود دول وأنظمة تستغل الخلاف العربي – الإسرائيلي، وتتاجر سياسياً باسم الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني لتحقيق مصالحها، ومع ذلك فإن هذه البيئة أو المناخ الذي تقوده دولة الإمارات وستتبعها عدد من الدول المحبة للسلام، لا تعني بتاتاً نسيان حق الفلسطينيين بالحصول على وطنهم. وإنما المشكلة تأتي من سلوك بعض الدول التي تدعي تحرير القدس بينما تقتل الشعوب العربية وتحتل دولهم، كالنظامين الإيراني والتركي.
الإمارات ومعها عدد من الدول العربية سواء التي دخلت ضمن معاهدات السلام أو التي تخطط أن تدخل فإنها تؤمن بقوة الدبلوماسية والحجة القائمة على المنطق خاصة إذا كانت تدعمها الحقوق التاريخية والشرعية في إحراز النصر للشعب الفلسطيني، الأمر فقط يحتاج "مهارة المفاوض" أو كما سماه الأمير بندر بن سلطان في شهادته التاريخية بـ"المحامي الشاطر"، وتأتي هذه القناعة بعدما أثبتت القوة الخشنة والعنف المخطط الذي توظفه بعض الأنظمة وأصحاب المصالح باعتباره تكتيكا لتحقيق أهدافه السياسية، لأن شرعيتهم السياسية قائمة على الفوضى.
قد تكون ثقافة تقبل إسرائيل أو ثقافة توقيع اتفاقيات سلام ومعاهدات معها ما زالت غير مقبولة أو غير مستساغة لدى أوساط مختلفة في المجتمع العربي حالياً، وقد نجد العذر لبعضهم لأنهم لم يعتادوا على العيش المشترك، ولكن هناك من يزال ينظر إلى إسرائيل من زاوية إلغائها من المنطقة، وهم قلة وربما لم يعانوا ولم يشعروا بمعاناة الإنسان الفلسطيني البسيط.
الشيء الذي ينبغي أن نتأكد منه بأن قرارات القيادات العربية في توقيع معاهدات السلام مع إسرائيل كانت تعبر عن إرادات الشعب العربي "غير المؤدلج بأفكار تدميرية أو إلغائية"، كما تشير أغلب التغريدات في وسائل التواصل الاجتماعي أو كما أثبتتها استطلاعات الرأي، نشرتها مؤخراً مؤسسة الزغبي الأمريكية، وأظن أن الحال ينطبق على الشعب الفلسطيني أيضاً، لأنه لا يختلف عن أي إنسان يبحث عن العيش في سلام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة