إنْ كانت الإمارات مدت يد السلام لإسرائيل، كما فعلت قبلها دول عربية أخرى، فإن المتوقع من الجانب الإسرائيلي البدء في رصد جوانب التطرف ومعالجة ذلك،
كما هي عادتها، تميزت صحيفة الاتحاد في تنظيم منتدى الاتحاد الخامس عشر، والذي عقد افتراضياً هذا العام، حيث يلتقي كُتاب الصحيفة للتحاور حول بعض القضايا الملحة في الوطن العربي. وكان شعار هذا المنتدى «الإمارات.. رسالة سلام». في المحور الأول من المنتدى تمت دراسة السلام كمبدأ راسخ في سياسة الإمارات الخارجية، حيث تم استعراض بعض جهود الدولة في نزع فتيل الأزمات عالمياً من خلال الحوار، أو دعم الاستقرار عبر قوات حفظ السلام والأعمال الإنسانية. الإمارات تميزت عن كثير من الدول العربية بنموذج فاعل للتنمية والتعايش، حيث تستضيف جاليات من 200 دولة جربوا معني السلم الاجتماعي، وكثير منهم يتمنى استنساخ التجربة الإماراتية في وطنه الأم.
المحور الثاني من المنتدى عالج قضية الساعة، وهي معاهدة السلام مع إسرائيل كخطوة لتهدئة توترات المنطقة، ومحاولة معالجة أزمة الركود في القضية الفلسطينية عبر بوابة جديدة، تتلخص في الحوار مع الآخر من أجل تحقيق ثوابت هذه القضية، التي طال عهد الناس بها، الإمارات تؤكد دائماً على الثوابت التي تبنتها الدول العربية، وهي السلام الهادف لقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، السلام الذي أعلنته الإمارات هدفه التسوية الدائمة وليس الحلول الترقيعية، كما كان المفاوض العربي يفعل من قبل. المحور الثالث من المنتدى تطرق إلى فكرة تنشئة أجيال جديدة تؤمن بالسلام والتعايش، فبعد ستين عاماً من الخوف من الآخر وتشويه صورته، عبر مصادر التنشئة الاجتماعية المختلفة، مثل المناهج التعليمية والمساجد والأنشطة الثقافية، بدأت الدول العربية في مشروع جديد، ملخصه تحييد الصراع والتركيز على التنمية والشراكة وتعزيز ثقافة التعايش بين الأديان، التي استهلتها الإمارات بدعوة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب للتوقيع على وثيقة «الأخوة الإنسانية» من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، والتي تم اعتمادها في العاصمة أبوظبي 4 فبراير 2019م.
لقد استغل البعض الدين لشن صرعات بين الشعوب من أجل تحقيق مصالح سياسية. في جوهر الدين سلام للعالمين، لكن الانحراف عن النهج السوي، هو الذي جعل بعض المتدينين يشنون حروباً طاحنة عرفها تاريخ الإنسانية باسم الدين، وهو منها براء.
إن التوجه العربي الجديد، والذي تلخص في محاربة التطرف وكل دعاته، وضبط نغمة الخطاب الديني، وإعادة صياغة المناهج التعليمية، لن يؤتي أكله ما لم تعزف إسرائيل نفس اللحن، إن السلام غاية لن تدرك بيد واحدة، بل هو نتاج شراكه واضحة بين الدول لتحقيق أهدافها. وإنْ كانت الإمارات مدت يد السلام لإسرائيل، كما فعلت قبلها دول عربية أخرى، فإن المتوقع من الجانب الإسرائيلي البدء في رصد جوانب التطرف ومعالجة ذلك، لأن الانتقال بالسلام من الساسة إلى عامة الناس بحاجة لخطوات عملية يراها البشر على أرض الواقع، وتحديداً قيام الدولة الفلسطينية التي سنعبر خلال بوابتها صفحة من الماضي آن وقت تجاوزها، والبدء في حقبة تاريخية جديدة، أبطالها قادة السلام ودعاته من الجانبين العربي والإسرائيلي.
-----
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة