رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتوقيع اتفاقيات سلام محلية وعالمية، جميعها تعد انتصارات سياسية مهمة للقيادة السودانية.
من المعروف أن السودان وُضِعَ منذ عام 1993 على اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهو خاضع بموجب ذلك لعقوبات اقتصادية؛ بسبب علاقة النظام السابق بمنظمات إرهابية كالقاعدة التي أقام زعيمها السابق أسامة بن لادن في البلاد، فوضع السودان على قوائم الإرهاب، ليصبح ضحية تصورات خاطئة لا تعكس أبجديات السياسة، كشعب طيب يستحق حكومة أفضل في فترة وعهد الإخوان برئاسة "عمر البشير" وحكومته التي كانت تغض النظر عن الإرهابيين، وحولت البلاد إلى حاضنة لجماعات التطرف العالمية، ناهيك عن وجود زعيم القاعدة بن لادن على رأس هذه الجماعات المتطرفة .
بقاء السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب كان عقبة أَثَّرت بشكل مباشر على النمو الاقتصادي والانفتاح الدبلوماسي للسودان، والخروج من القائمة يعني دعما كبيرا للحكومة الانتقالية، والتي كانت في أمس الحاجة إليه خصوصاً بعد تردي الأوضاع الاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة، وهي خطوة جيدة وتأكيد على التغيير التاريخي والجهود المبذولة من الحكومة، لتعزيز اندماج البلاد في المجتمع الدولي، مما يفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية وهيكلة الديون المتراكمة، وهو إتاحة فرصة مناسبة للنهوض من جديد بخيارات وحلول ناجعة، ومساهمة في دعم الانتقال نحو الديمقراطية، والتخلص من أثقل تركات النظام البائد، وإخراج الشعب السوداني من التهمة، فهو شعبٌ محبٌ للسلام ولم يكن أبداً يوماً مسانداً وداعمًا للإرهاب.
يمر السودان بظروف اقتصادية وسياسية معقدة، لذا على الحكومة السودانية الانتقالية كشف الكثير من الحقائق المغيبة، وأن تقدم مرحلة جديدة من سياسة المصارحة والمكاشفة، وتقديم المصالح الخاصة بعيدا عن الشعارات الشعبوية التي لم تعد تُجدي نفها على حساب السلام واستمرار الحروب والعداوات وسوء الأوضاع المعيشية الداخلية، والتي بدأت عمليا بتوقيع اتفاقية السلام بين الحكومة والجبهة الثورية، والتي قدّمت الصيغة الملائمة لضمان وحدة السودان على أسس تعبّر عن المصالح الحقيقية للسودان بعيداً عن عقلية تقاسم السلطة والثروة، وهي عقدًا جديدًا نحو السلام، وخطوة أولى نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، وديمومة الديمقراطية في البلاد، كذلك يُعدّ إنجازاً كبيراً للفترة الانتقالية للثورة كان أهم شعاراتها "السلام".
السلام هو طوق النجاة للسودان، وهو أولوية، وهو الأصل في العلاقات بين الأشخاص والمجتمعات الإنسانية والدول، وهو تشريعٌ يحاكي الفطرة السليمة والصحيحة للإنسان؛ لأن الأصل في الحياة هو السلام والبحث عن أسباب الأمن والاستقرار والرخاء، والبعد عن كل ما يؤدي للخراب والحروب والدمار وتبديد الخيرات، ولا تقتصر أهمية السلام على تجنيب الشعوب الحروب، بل تجنبها أيضاً الانقسام والتشتت والهجرة، وتجعلها آمنةً باقيةً في أوطانها، فكم من دولةٍ عانت من الحرب، فتشتت أبناؤها، وضاعت فرصهم في بلادهم، فخسروا دولتهم وخسرتهم، وكان بالإمكان أن لا يحصل كل هذا، لو أن الحرب تبدلت إلى سلام.
على السودانيين والحكومة الانتقالية تعزيز منهج الواقعية، واختراق حاجز الوهم المعشش في عقول الكثيرين، فالدول الساعية للاستقرار والنمو عليها أن تستثمر كل الفرص المتاحة لها، لتحقيق المصالح أينما وجدت، والابتعاد عن الخطابات الشعبوية العامة لنيل المدح والثناء، والتفكير في كسب الأصوات المؤيدة لبناء الوطن لا لهدمه . الواجب المناط على عاتقهم بأن يمدوا أيديهم لأشقائهم العرب الحريصين عليهم، وليس من يريد أن يبني قواعد لدول معادية للعرب، ثم بتجنب العلاقات الدبلوماسية مع الدول ذات الأهداف والأطماع المشبوهة، والتي لا ترضى بحدوث الاستقرار والسلام، ودعم الجماعات الإرهابية، ولا ترغب في أن يتخذ ويحدد السودان قراراته بنفسه، فالأمر ليس بالسهل كما يظنه البعض، علينا الاعتراف بأن الوضع معقد وخطير جداً، وأن البلاد بيئة خصبة للمتربصين لتفتيتها، والإسراع في حسم هذه الفوضى قبل أن تكون عقبة كبيرة لهم في المستقبل القريب.
في ظل الأوضاع السياسية الحالية يعيش السودان أخطر مراحله على الإطلاق، فهو يقع بين المطرقة والسندان، وكماشة الأوضاع المعيشية والاقتصادية، المتربصون به في الداخل من بقايا الموالين للنظام السابق، والداعمون لهم في الخارج كقطر وتركيا. فعلى المستوى العملي نرى بأن السودان مهدّد بمخاطر أوّلها: إحجام بعض الحركات عن التوقيع، ثانيها : الوضع المعيشي والصحي والتعليمي المتدهور، وحرب شعواء يقودها "محور الشر" بحملات إعلامية مركزة ومزورة للحقائق ؛ لتأليب الداخل وخلط الأوراق، وعلى استعداد كامل لقتل الوطن، فهم لا يريدون خروج السودان من المأزق الذي وضعوه فيه ؛ لأنهم ينظرون إليه بألم بعدما هُدم مشروعهم القبيح في السودان بعزل البشير، والقضاء على هيمنة الإخوان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة